في البحرين بعضهم يشجع النادي الملكي والبعض الآخر يشجع البارسا، وكثير منهم بعد أن تم فك شفرة الدوري الإنجليزي، كثر الجدل حول أحقية نادي ليفربول أو تشيلسي أو الستي أو آرسنال في لقب البطولة، وخروج المانيو من المنافسة على لقب الدوري الممتاز لكرة القدم بسبب ديفيد مويس.
وبما أني من مرتادي القهاوي الشعبية بعد يوم من العناء والعمل أو بسبب جهد مشاوير أسرية، أجد ضالتي في الجلوس مع الآباء والشباب البحريني الطيب «في القهوة» المطلة على أزقة سوق المنامة الشعبية، ممن يملكون وعياً جمعياً بأهمية الذاكرة البحرينية الجميلة وبضرورة تفعيلها على أرض الواقع، فأستمع لتحليلاتهم ونظرياتهم الرياضية حول أحقية فوز رونالدو بالكرة الذهبية على الساحر الأرجنتيني ميسي، كما أضحك في كثير من الأحيان حول تهكمهم الشديد على نادي الشياطين الحُمر، رغم أني أشد المتعصبين للمان يونايتد. فقرة حياتية خارج الصخب وخارج نطاق المألوف هي جلساتنا المشتركة في القهاوي الشعبية، حيث تسقط كل الفروقات العرقية والمذهبية لأبناء هذا الوطن، فلا تجد فيها سوى كثير من الحب والقليل جداً من النفاق، أما ما يجمعهم فهي الرياضة وبعض الفكاهات. الحمد لله أن أندية أوروبا ليست أندية إسلامية أو دينية، والحمد لله أن من يملكها ومن يديرها ليسوا من أبناء إحدى الطوائف الإسلامية الكريمة، والحمد لله أن اللاعبين الدوليين لا علاقة لهم بالمسلمين كذلك، ولأنها أندية «كافرة» كما يحلو للبعض أن يطلق عليها، فإننا لن نجد عناء كبيراً في عدم الاصطفاف الطائفي والمذهبي نحو هذا الفريق أو ذاك، أو تجاه لاعب دون آخر لأجل مذهبه ودينه.
في القهوة الشعبية نصف من مشجعي النادي الملكي من أبناء الطائفة الشيعية ونصفهم الآخر من أبناء الطائفة السنية، وكذلك على ما يبدو من جهة البارسا وبقية الأندية الأخرى الكبيرة، ولو كان مرتادو المقاهي الشعبية من الطائفيين الجدد -لا سمح الله- لوجدنا أن الأندية الأوروبية عندنا نصف مؤيديها من السنة وبقيتهم من الشيعة!
أنصح من لديهم لوثة طائفية أو مذهبية شرسة أن يدمنوا على حضور جدل المقاهي التي تناقش الرياضة في ثوبها الإنساني بعيداً عن الفتن المذهبية، حتى تتقلص نسبة الاحتقان الطائفي عندهم، فيرون الكون من أبواب أخرى أشد نوراً من عفن بعض المنابر الدينية التي تكرس وتحرض على الكراهية وبغض الحياة ونبذ الفرح.
داوم أيها المواطن البحريني على ارتياد المقاهي الشعبية بانتظام، ودعهم يقولون عنك ما يقولون، وربما يصفونك بالإنسان التافه أو الفاضي، لكنك ستظل رقماً صعباً لا ينكسر في زحمة فتنة الطوائف والمذاهب، فمقاهي البحرين تعتبر مدارس في الأخلاق والتلاحم والتراحم والمحبة فيما بين الناس، وستظل «القهاوي» الشعبية جامعات عريقة لطبيعة الأخلاق البحرينية الكريمة، وستتفوق حتماً على كل أنواع التحريض على الكراهية تجاه المختلف، وستظل الرياضة تصلح ما تفسده السياسة.
في النهاية نشكر كل من شجع ويشجع على إنشاء المقاهي الشعبية في البحرين، ونشكر كل مرتاديها من الآباء والأبناء، وشكر خاص إلى وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على دعمها المستمر لبقاء المقاهي الشعبية في المنامة والمحرق وبقية مناطق البحرين، إيماناً منها بالدور التي لعبته هذه المقاهي في بناء قيم أخلاقية وتقريبية بين أبناء هذا الوطن، عجزت عن بنائها الكثير من دور العبادة مع الأسف الشديد.