أولاً وقبل كل شيء؛ بات لزاماً على كل شخص أن يعيد تثبيت موقفه كل مرة يتكلم فيها، خاصة أننا دخلنا طوراً زمنياً بات فيه الناس يتناسون، ويأخذون أفراداً بموقف أفراد آخرين، فتخلط المواقف وتعمم. لذا أقول من واقع حقي في التعبير عن الرأي، إن موقفنا ثابت بشأن الحوار مع إرهابي أو داعم للإرهاب، أو من شاتم للدولة ومن يحرض لسقوطها ويصفها بأشنع الصفات وآخرها «الديكتاتورية» وغيرها (والقاموس يطول)، أن الحوار مع هؤلاء مضيعة للوقت والجهد وحرق لأعصاب المخلصين وعبث بأمن البلاد.
هذا رأينا فاحترموه، مثلما تريدوننا سواء النظام أو الجمعيات أو أياً كان أن نحترم وجهة نظركم، مع فارق بأن التاريخ في هذه المسألة (وأعني الحوار) على امتداد ثلاثة سنوات يرجح كفة الناس الذي يرون أننا ندور في حلقة مفرغة، وأن منح أدوات التحريض والتخريب الفرصة كل مرة لبدء حوار جديد ما هو إلا «ريستارت» لما بعد انتهاء حالة السلامة الوطنية في صيف 2011.
ونقول ذلك لأن شواهد التاريخ مثبتة، نحن ندخل الآن قرابة ثلاث سنوات على «محاولة الانقلاب»، وهي بمعنى الكلمة «انقلاب»، ولن نجمل ما حصل بالقول «أحداث» أو «أزمة». بل الحقيقة تقول إنها كانت محاولة انقلاب نصبت فيها المشانق وجسدت فيها رموز البلد وبانت فيها نزعات الغل والانتقام، والصور موجودة إن أردتم «تنشيطاً» للذاكرة، وإن كان من لا يريد تذكرها لا تسعفه «حساسية مشاعره»، وبالتالي هؤلاء لا ينفعون أصلاً لتقرير كيف يدار بلد وكيف يتم التعامل مع شعب.
طوال ثلاث سنوات، وعلى امتداد حوارين، أولهما شامل لكافة الأطياف ما دفع الجمعيات «المحرضة» لدخول مرحلة «زعل» لأنها تريد الاستفراد بالدولة، وثانيهما «حوار مقنن» شمل عناصر معدودة ومع ذلك التمثيل كان بالصفوف الثانية وبمن يمتلك قدرة التعطيل والمحاججة وأسلوب المناوشات المدرسية (اطلع في الهدة).
لكن اليوم في حوار ثالث مستغرب أصلاً بعد التعنت، نرى السيناريو يتكرر، هم كانوا يتباكون طلباً لشخص يكون ممثلاً لجلالة الملك، يريدون أن يحولوه وكأنه تفاوض بين نظامين في بلد واحد. لكن اليوم حينما يجلسون مع وزير الديوان الملكي يخرجون متململين ومستائين ويعلنون أنهم يريدون الجلوس مع نائب سمو رئيس الوزراء، نائب الرجل الذي يستهدفونه ويريدون منصبه ويواصلون في تطاولهم عليه، ثم يذهبون للجلوس مع نائبه الأول ويطلبون الآن التباحث مع نائبه الآخر! وهنا نعتب على من؛ على المنقلبين على أعقابهم وكلامهم أم على من يقبلون باستمرار هذا التطاول؟!
الفكرة فيما نقول، أنها لو أريد لها أن تنحل طوال ثلاث سنوات فيها تمت إقامة حوارين، لانحلت منذ زمن!
لسنا نتحدث هنا بألغاز، لكن نقول إن الدولة قدمت نفسها على أنها جادة طوال تلك الفترة، لكن الطرف الآخر الذي يواصل حراكه الانقلابي لم يعادِ الخطوة، لم يناهضها ويرفضها مباشرة، بل شارك فيها، لكنه فعل كل ذلك لكسب وقت، ولاستثمارها إعلامياً في الخارج، ولفرض إملاءات وشروط على من يقبل أن يملي عليه إرهابي ومحرض (يفترض أنه محاسب بحكم القانون الآن) أن يملي عليه شروطه.
يقال شيء في الأخبار الرسمية، أن الاجتماعات كانت إيجابية وأن المحاور تم التوافق عليها، وتخرج تسريبات تقول إن من ضمن التفاهمات عدم التطرق لأمور مثل الحكومة المنتخبة، لكن حينما ينفض السامر ويعودون لجمعياتهم وجماهيرهم تظل لغة الخطاب نفسها لا تتغير، بل يتم تصعيدها ويتم التلويح والتهديد مجدداً.
من يريد أن يعول على الحوار، فهو حر في قناعته، لكن لا يجب أن يفرضها على الناس الذين باتوا لا يتقبلون أي طعنات غدر جديدة، لا يجب أن يفرضها فرضاً بأي وسيلة كانت على الناس الذين بدؤوا يتركون انتقاد من يحرض ضد البلد ويسعى لانقلاب جديد، وأخذوا ينتقدون من يترك لهم الحبل على الغارب. هذا من حق الناس المخلصين، ومن حقهم أن يعرفوا كيف سيسير الحوار ويفضي إلى نتائج مع جميعات وأفراد مازالت ترى سجالها مع النظام سينتهي بـ«النصر»، وكأنها تتحدث عن معسكر حربي، وتعرفون تماماً الحرب ماذا يحصل فيها.
ثلاث سنوات، لو كان لها أن تنحل لانحلت! وعليه فإن السؤال المهم هنا هو.. ولماذا لم تنحل؟!
الإجابة ليست في تركيبة الجمعيات المحرضة ولا في حراكها ولا في نواياها ولا شيء معني بها، لأن كل ما سبق معروف للجميع، الإجابة في شأن آخر تماماً، فيمن يمتلك كل الحق بأن يصلح المعوج ويقوم الخطأ بالدستور والقانون، لكنه لا يفعل!