يصادف اليوم ذكرى مولد سيد البشرية محمــد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبــه أفضل الصلاة وأتم التبريكات، وهو اليوم الذي تغير فيه مسار البشرية نحو حياة فضلى، تخرجهم من الظلمات إلى النور، وتنقلهم من الجهل إلى العلم، وتبعدهم عن الخرافات والأساطير التي كانت تكبل الإنسان من خلال قيمها الجاهلية إلى حيث فضاءات المعرفة المفتوحة.
الأهم في هذه المحطة المهمة من تاريخ المسلمين، هو في كون الرسول الكريم رحمة للإنسانية، وذلك استنطاقاً لقوله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين»، فرسولنا هو رحمة يستظل بها كل إنسان عاش ويعيش أو سوف يأتي إلى هذه الحياة، ليجد هذه الرحمة متجلية عبر ثقافة إسلامية متطورة، من خلال نشر قيم الحب والتعايش والتسامح والتآخي والمودة، وهنالك الكثير من الإشارات القرآنية تدلل على هذه المعاني التي تحملها ذكرى ولادة نبينا الكريم.
إن من أبرز وأهم المحطات القرآنية التي اختصرت شخصية الرسول العظيم، هي الآية التي وصفته بنبي الأخلاق وذلك في قوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم»، فهذا الخلق وحده الذي استطاع أن يستقطب اليوم أكثر من مليار ونصف المليار إنسان على وجه الأرض، كما باستطاعة المسلمين اليوم أن يمثلوا هذا الخط الأخلاقي وأن يستقطبوا ضعف هذا العدد ولكن!!
لكـــن المسلمـين اليوم، بدؤوا في تغييــر الصورة الناصعة لذلك «الخلق العظيم» حينما أعطوا المجتمعـات الأخــرى، الكثيــر من الصور السلبية على أرض الواقع، ولم يستطيعوا أن يقدموا الأنموذج الراقي للإنسان المسلم المتحضر في شتى مناحي الحياة، بل إن الكثير من الجماعات الإسلاميــة، التــي تدعـــي أنهـــا جماعــات إسلامية خالصة دون غيرها، قدمت للعالم أسوأ نموذج إسلامي عبر التاريخ الإسلامي الطويل، ومن خلال تشويه صورة النبي الكريم، وتمزيق «الخلق العظيم»، بتقديم أنماط شيطانية إلى العالم.
لا نحتاج لعناء شديد في ملاحقة سلوكيات الإسلاميين والكثير من المسلمين اليوم، سواء من يعيشون في عالمنا الإسلامي، أو من يعيشون في عوالم الدول الغربية والشرقية، فعدم التزام المسلم بقوانين الدول الأخرى، وعدم رغبته الاندماج في مجتمعات مختلفة، حيث يكون من المفترض عليه أن يحترم قوانينها من باب «الأسوة الحسنة»، إضافة لترويع سكان الأرض عبر نشر ثقافة الإرهاب والعنف والقتل وبث روح الكراهية بين كل البشر، جعل البشرية كلها تتردد كثيراً من فكرة الاقتراب من الإسلام فضلاً عن محاولاتهم اكتشافه.
ربما يقول البعض، لماذا لا تنتقد الآخر حين يمارس هذه الممارسات ضد المسلمين؟ نقول لهم وبكل بساطة، نحن لسنا معنيين بغير المسلمين، فبعض أولئك يحملون أفكاراً عبثية في الأصل، بينما نحن أصحاب الأفكار المحمدية، وهذا هو الفارق بين الثقافتين، أو بين نتاجهما، كما لا يمكن أن نستبعد فرضية أن يكون الآخر، حين مارس خيار العنف ضد المسلمين، في أن يكون سلوكه في الأصل، هو عبارة عن رد فعل طبيعي لما يقوم به الكثير من المسلمين المتطرفين في هذه الأيام.
لا نحتاج للكثير من الثرثرات والإثباتات الواقعية لما آلت إليه سلوكيات أمة محمد، فقطع الرؤوس والأرجل والأيدي، وسحل الناس في الشوارع، ومن ثم أكل الأكباد والقلوب من الجثث المقطعة، إضافة لتفخيخ المركبات وقتل وتفجير النساء والأطفال، وترويع الآمنين، وغيرها من المشاهد العدمية، كلها شواهد بينة وواضحة على أن بعض أبناء هذه الأمة لا يمثلون الرسول الكريم، ولا يمثلون «الخلق العظيم».
مشاهد مأساوية يرتكبها أهل الإسلام في كل بقاع الأرض، جعلت الآخر يفكر مليار مرة قبل أن يختار الإسلام طريقاً ومنهجاً لحياته ووجوده، فالمسلم الذي يقتل أخاه المسلم بصورة تقشعر منها الأبدان، مهما اختلف معه في تفاصيل العقيدة، لا يستطيع أن يقنع أي مخلوق سوي أن يدخل في الإسلام بهذه الطريقة، أو حين تقديمه هذا النموذج السيئ من الإسلام السياسي الدموي المعاصر، من أن يقول للآخر هيا «أسلم».
في ذكرى ولادة النور، نحتاج اليوم أن نعيد صياغة مفاهيمنا وربطها بطريقة مباشرة بشخصية صاحب الذكرى، وأن يكون كل فرد منا على خلق عظيم وكفى، أما الكعبة فلها رب يحميها.