استفزتني صورة نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لإحدى مناطق الحورة وهي مغمورة بالمياه بعد الأمطار الأخيرة، لكن ليست هنا المفارقة؛ بل المفارقة حين وضعت مع ذات الصورة، صورة أخرى لذات المنطقة والمياه تغمرها تعود لعام 1995!
ليس هذا حال الحورة وحسب؛ بل هو حال أغلب مناطق البحرين من قلالي إلى الدور وجو وعسكر، وهذا يعني أن ما يقال عن دراسة مواقع تجمعات الأمطار إنما هو كلام للاستهلاك المحلي والإعلامي.
بالنسبة لنا كمواطنين المسألة ليست أمطاراً عابرة تسببت بمشكلات كبيرة للمواطنين وحسب، إنما ما كشفه المطر هو حالة الدولة التي تحتاج إلى إصلاح كبير، نعم هناك وزراء يجب أن يترجلوا ولا يجب أن يتم استرضاؤهم أو تدويرهم، هذا خطأ كبير، من يتسبب في مشكلات تشوه الوطن كان يجب أن يجلد في ميدان عام، وليس أن يكرم بمنصب آخر.
المطر (وهو نعمة من الله) أصبح نقمة بسبب الفساد والمحسوبيات وعدم الرقابة وعدم المحاسبة، حتى وصلنا إلى مرحلة تخرج فيها تصريحات من المتحدث الرسمي للحكومة تقول إن الاستعدادات كبيرة وقد استكملت، وأن شوارعنا حسب المقاييس العالمية، لكن كلامها لم يجف حبره، حتى كشف المطر أن هناك كلاماً غير صحيح يقال لنا من مواقع كبيرة لا يجب أن يخرج منها كلام يخدر المواطن، ويتستر على الأخطاء ويجافي الحقيقة والواقع.
لا أعرف أن أجمل العبارات، المطر كشف لنا حجم الفساد في وزارات كبيرة (تأكل الملايين أكلاً) لكن مستوى الإنجاز، ومستوى الجودة، ومستوى الخدمات يكشف أن فساداً كبيراً (يعشعش) في تلك الوزارات.
ملايين الدنانير توضع في صدر صفحات الصحف بشكل يومي، مليار دولار سنوياً دعماً خليجياً، ويقال لنا إنه لدعم (البنية التحتية) والإسكان والمطار والأشغال والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وأنتم ونحن نرى بأم أعيننا مستوى كل ما هو أمامنا، من المطار (اللي صار يفشل) إلى الشوارع والمدارس..!
نعم الوزراء الفاشلون يحتاجون إلى تغيير، لكن الأهم من ذلك هو إصلاح منظمة العمل بأسرها، الوكلاء أيضاً من تسببوا في كوارث يجب أن يتم تغييرهم، محاسبة الحكومة للوزير والوزارات على كل دينار يتم صرفه وفيما صرف، وماذا تم إنجازه هو الذي نريده.
أرقام الملايين في الصحف تتعبنا، ولا تفرحنا، أصبحنا نقول كم من هذا الرقم الكبير سيذهب هنا وهناك، وكم الرقم الحقيقي للمشروع؟
دولة لا تحاسب الوزراء ولا تحاسب المسؤولين هي دولة تتستر على الفساد وهي تعلم عنه، في كل العالم يوجد فساد، لكن كم نسبته وكم حجمه وهل يحاسب الوزراء أم لا.. هو الفيصل وهو معيار تقليص حجم الفساد. تتوارد إلينا أنباء عن طرق إرساء المناقصات (رغم وجود مجلس المناقصات)؛ هل من يرسي المناقصة الوزير نفسه على اعتبار أنه صاحب الاختصاص والشأن؟
وإن كان الوزير من يفعل ذلك؛ فما حجم المحسوبيات في ذلك؟
وزارات حدثت بها كوارث مؤخراً، قيل إن وزيرها يتدخل في إرساء مناقصات على أقاربه ومعارفه؛ فهل هذا صحيح؟
إن كان صحيحاً فتلك كارثة حتى مع وجود مجلس مناقصات يجب أن يكون له دوره الحقيقي في إرساء المناقصات على (الأفضل في السعر وفي الجودة وفي المدة) تشعرنا الدولة (إننا وين ما نطقها عوية) وهذه مصيبتنا. هل المحاسبة تعني أن يأخذ الوزير (دش ساخن من الكلام وحسب) وبالتالي المسألة عنده لا تعدو كلاماً سيأتي ويذهب للنسيان بينما هو يعمل ما يريد؟
هل قيادتنا الرشيدة حفظها الله راضية عن مستوى الخدمات ومستوى الإنجاز في البحرين بينما تفصلنا مع جيراننا سنوات ضوئية، رغم أنهم حتى السبعينيات كانت بلدانهم كثباناً رملية؟
ما فائدة أن أكون رائداً منذ بداية القرن الماضي، واليوم أصبح في آخر الطابور؟
الريادة إن لم تكن متواصلة وفي تصاعد وتطور وفي تجديد لا تكون ريادة، وإنما تكون ذكرى للتاريخ، وفعلاً ماضياً يزعجنا كثيراً في البحرين (كنا .. وكنا)!!
المطر كشف حجم التخبط، وحجم الفساد، وحجم غياب التخطيط، وغياب الدراسات، وغياب أهم أمر نحتاجه في البحرين وهو المحاسبة.
من يحب البحرين يعمل من أجلها، ومن أجل سمعتها، وسمعتها هنا ليس فقط السمعة السياسية، وإنما سمعتنا على مستوى الخدمات والإنجاز ومحاربة الفساد، ومحاسبة كل مسؤول تثبت أنه تلاعب بمستقبل البحرين ومقدرات الوطن وأمواله العامة.
الدولة لا تضرب لنا ولا مثلاً واحداً في محاسبة الوزراء، ومجلس النواب عاجز عن الرقابة والمحاسبة، ولا يستطيع استجواب وزير واحد، كل ذلك ماذا يعني لنا؟
بعض البسطاء في مناطق كثيرة في البحرين أصبح لسان حالهم يقول (والله إننا نحب المطر.. لكن ما يحدث لنا من الدولة يجعلنا نقول يا مطر لطفاً بنا)..!
نحن أول دولة في الخليج التي دشنت مشروعاً للمجاري، ونحن أصغر دولة بالخليج من حيث المساحة، هل يعقل ونحن على أبواب 2014 لم ننتهِ من إيصال خدمة المجاري لمناطق عدة؟
أليس هذا مؤلماً لنا في البحرين؟
ارحمونا من نشر الأرقام المليونية، ارحمونا من ارتفاع الضغط والجلطات، والله بقدر ما نريد أن نرى مشاريع كبيرة تنجز، بقدر ما نقول: والله هذا الرقم الكبير لا نعرف (كم مرزاماً يصب منه).. الله يرحمنا برحمته.. وسوف نبقى نحب المطر رغم الفساد، والمحسوبيات والتخبطات، وعدم التخطيط، لن تشعروا بما نقول، إلا حين تدخل عليكم المياه في بيوتكم، وتتلف كل شيء، وأنتم تعرفون حال المواطن العادي..!