في السابق كان مصطلح «صناعة النجوم» حكراً على المجال الفني، حيث يحتاج المطرب أو الممثل السينمائي إلى شركات دعاية وإعلان ومنتجين يصنعون نجوميته ويروجون له بزيادة عدد مقابلاته الإعلامية وتكثيف توزيع صوره وأخباره على وسائل الإعلام، والعمل على تعظيم أعماله والتنبؤ بقدراته على أداء أدوار فنية أكثر قوة وتميزاً. أما اليوم فإننا نجد صناعة النجوم تتمدد إلى مجال العمل والوظائف العامة ومجال الترويج لرجال السياسة، بل امتدت إلى الثقافة والإبداع!!
في مجال الوظائف العامة يتم صناعة «نجوم عمل» محظيين لأسباب غير موضوعية مثل العلاقات الخاصة والمحسوبيات، وتجري عمليات تلميع وترويج لهم تمهيداً لوصولهم إلى المناصب القيادية في مكان العمل. فهؤلاء المحظيون «يلحقون» بلجان لا علاقة لطبيعة عملهم بها، و«يلتحقون» بدورات تدريبية لا يرى أثرها على أدائهم في العمل، وهم يحاطون بحملات ترويجية تعلي من شأن كفاءتهم وقدراتهم الإبداعية وإمكانية إحداثهم تطويرات مستقبلية في العمل، كما إن تقارير أدائهم الوظيفي تكلل بإنجازات وهمية تتهاوى أمام أول امتحان يواجهونه، إن قدر لهم أن يمتحنوا أصلاً!!، وكلها مبررات مصطنعة توشح بها سيرهم الذاتية لمنحهم المكافآت والامتيازات والاستثناءات التي تخولهم لتقلد مناصب عليا.
وإذا تجاوزنا الحملات الانتخابية المختلفة وما قد يكون مباحاً فيها من حملات ترويجية، فإن العمل السياسي أصبح يكتنفه «صناعة نجومية» تبدو أحياناً في غاية الركاكة، إذ إن أغلبها تقتات على تنفيذ الشخص المهام الأصلية في العمل. فعلى سبيل المثال كانت أهم عملية ترويج لصالح الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة المصرية أنه أسس مطار القاهرة الدولي الجديد، وهي مهمة كلف بها من قبل الدولة المصرية التي أنفقت عليه ملايين الدولارات. فكيف يصبح تنفيذ المهام الوظيفية إنجازاً متجاوزاً في رصيد المسؤولين حتى وإن أدوها بكفاءة عالية فذلك واجبهم المهني الذي يشكرون عليه أو يحاسبون عند التقصير فيه. ومثل ذلك نراه في السير الذاتية للمرشحين وللمسؤولين المتوقع ترقيتهم، فأغلبها تعكس خبراتهم الوظيفية ولا تعكس إنجازات استثنائية أبدعوها وقدمت قيمة مضافة لعملهم.
وكنت أظن أن مجالات الثقافة والإبداع بعيدة عن أساليب صناعة النجوم أو «فبركتهم»، إلى أن التقيت مؤخراً بناقد كبير هو أحد أساتذة الأدب المهمين، وحكى لي قصة أحد كتاب الرواية المغمورين الذي رفض هو وغيره من النقاد أن يقرؤوا له «صفحتين» حسب تعبيره فضلاً عن أن يكتبوا عنه مقالاً نقدياً، ثم يفاجأ ناقدنا الكبير بإحدى الدوريات الأدبية المشهورة تصدر عدداً فيه ما لا يقل عن عشرين مقالاً نقدياً تتناول الأعمال الروائية للكاتب المغمور وتثني على إبداعه وعلى ملكاته الأدبية التي تبشر بأديب عربي واعد!!، وفسر لي ناقدنا ما حصل بدخول العلاقات الشخصية وبطبيعة السياق السياسي الحالي الذي جعل الحقل الثقافي أداة لتمرير تيارات وأفكار بعينها. لذلك.. فمادامت «فبركة النجوم» قد وصلت إلى مواقع حرجة هو حقل الإبداع فإننا أمام معضلة حضارية تعكس غياب المعايير وانعدام المنهجية والموضوعية عن تقييم ما حولنا وعن الحكم عليه، وهي قضية لها أبعادها الخطيرة التي نرى آثارها الجلية في مستويات التنمية في بلادنا.
فإذا كانت صناعة نجوم الوظائف العامة لا تتيح عدالة تكافؤ الفرص، وتوصل المحظيين لا الأكفياء إلى المناصب القيادية مما يؤدي إلى تدهور خدمات الدولة وتدهور مستويات الإنجاز والتنمية، فإن صناعة النجوم في سماء الثقافة والإبداع تنذر بعمليات إفساد الذوق العام وبخلق اضطراب في القيم الجمالية في ضمائر المتلقين، وإحلال معايير فنية رديئة مكان أخرى جيدة. وإذا فسدت الوظائف العامة والأذواق العامة فعن أي مجتمع متقدم نتحدث؟ وأي تطور وإبداع ننتظر؟ وكيف نقيس مستويات التنمية التي يجري أحياناً فبركة التقارير المرفوعة للجهات المسؤولة بشأنها فتظهر نتائج غير حقيقية؟
يا جماعة انتبهوا لمن حولكم.. ودققوا في عمليات التقييم وميزوا بينها وبين عمليات الترويج، فليس كل ما يلمع نجماً!!