تتحمل الولايات المتحدة والاتحاد الروسي بشكل متساوٍ مسؤولية استمرار المأساة السورية، التي تعتبرها الأمم المتحدة أسوأ كارثة تصيب البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. تقول المنظمة الدولية إن 16 مليون سوري، أي حوالي ثلاثة أرباع سكان هذا البلد، تأثروا بالحرب، ودعت إلى جمع 6 بلايين ونصف بليون دولار لمساعدة من تتمكن من مساعدته منهم.
دعم موسكو لنظام بشار الأسد معروف ولا حاجة للعودة إلى تفنيده، وعلى الأخص الغطاء الدولي الذي أمنته لجرائم هذا النظام من خلال الفيتو المتكرر في مجلس الأمن. وإذ تتخوف موسكو اليوم من الدور المتعاظم للحركات الإسلامية والتكفيرية داخل المعارضة السورية، وأثره على نمو التطرف في الجمهوريات الإسلامية على حدودها أو في داخل الاتحاد الروسي، فإن المسؤولية الأكبر عن هذا الدور تتحملها القوى التي أتاحت امتداد الحرب السورية إلى ما يقارب ثلاث سنوات، ما سمح لكافة أصناف الوحوش باختراق صفوف المعارضة، مدعومين بالإرهابيين السجناء الذين كانت تستضيفهم سجون الأسد.. لاستخدامهم في أوقات الحاجة.
الولايات المتحدة لم تقصّر هي أيضاً في خذلان السوريين. ارتكبت واشنطن خطايا كبيرة في مواجهة الأزمة السورية، عدّدنا الكثير منها سابقاً، ومن أهمها عدم تسليح المعارضة التي اختارت واشنطن أن تسميها «معتدلة» بشكل كاف، لتستطيع الوقوف في وجه بطش الآلة العسكرية للنظام. أدى ذلك إلى إضعاف قدرات «الجيش السوري الحر» وإلى ظهور تنظيمات أكثر تطرفاً على جبهات القتال. وكان طبيعياً أن يلجأ المقاتلون المعارضون إلى القوة القادرة على حمايتهم عسكرياً، والتي يرون أنها تحقق تقدماً فعلياً على الأرض. وهكذا صرنا نسمع بتنظيمات لم تكن معروفة في ساحة الصراع قبل عام، مثل «جبهة النصرة» و»داعش» والآن «الجبهة الإسلامية». وأخذ قادة النظام يفركون أيديهم فرحاً أمام هذا التفكك والتشرذم بين المعارضين، ويزداد فرحهم كلما قرؤوا التقارير الغربية عن القلق من بروز التنظيمات التكفيرية، بما تشكله من خطر على المصالح الغربية، إذا تمكنت من حكم سورية في المستقبل.
وبدل أن تكون لواشنطن سياسة واضحة وحازمة لدعم الجهة المعارضة التي تؤيدها، والتي يفترض أنها «الجيش السوري الحر»، ها هي تفتح اليوم خطوطاً مع «الجبهة الإسلامية»، وربما أيضاً مع «جبهة النصرة»، بشكل يذكّر بانفتاح أميركي سابق على ما كانوا يسمّونه «معتدلي طالبان» في أفغانستان، في محاولة لتحييدهم في الصراع هناك. هكذا اعترف السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد أن حكومته تقيم «قنوات اتصال» مع «الجبهة الإسلامية»، «لكي نشرح لهم السياسة الأميركية»، كما قال في حديث أخير لمحطة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية.
وفي الحديث ذاته أقر فورد، الذي يعتبر المهندس الفعلي للسياسة الأميركية في سورية، أن إدارة باراك أوباما لا تقيم أي صفقة مع إيران تتعلق بسورية، وقال إن الاتفاق الذي تم بين مجموعة «5 + 1» وطهران هو اتفاق على الملف النووي ولا علاقة له بالأزمة السورية: «قلنا للإيرانيين إن الملف السوري منفصل تماماً عن الملف الإيراني». كما أكد فورد أن واشنطن ترفض مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2» حول سورية لأن طهران لم تعترف ببيان «جنيف 1» الذي نصّ على قيام هيئة تتولى صلاحيات كاملة للحكم خلال المرحلة الانتقالية.
ومع أن كلام روبرت فورد يحاول أن يوجه رسائل اطمئنان إلى المعارضة السورية ليؤكد لها أن لا صفقات من وراء ظهرها، فإنه في حقيقة الأمر يطعنها في الظهر. فبدلاً من أن تستثمر واشنطن حاجة طهران إلى الاتفاق النووي لمقايضة ذلك بدعمها للنظام السوري، قامت بالفصل بين الاثنين، فعقدت تفاهماً مع طهران على الملف النووي، بصرف النظر عن فرص نجاحه، بما يترك يدها وأيدي تنظيماتها الإقليمية فالتة على الساحة السورية.
وهو الأمر ذاته الذي ارتكبته واشنطن عندما عقدت صفقة الكيماوي مع النظام السوري، من غير ربطها بأي شروط داخلية تخدم المعارضة، فانتهى الأمر إلى مد عمر النظام وتشتيت المعارضة وتفككها.
وبعد كل ذلك يذرف العالم دموع التماسيح على السوريين وعلى الكارثة الإنسانية التي تحلّ بهم.
عن صحيفة «الحياة»