فور انحسار العاصفة الثلجية، ظهرت مروحيات وقاذفات الجيش النظامي في سماء حلب. مئات البراميل المعبأة بنفايات المواد المتفجرة ألقيت على التجمعات السكانية الفقيرة في المدينة، فقتلت وجرحت ودمرت، والعالم لا يبالي.
ولماذا يبالي؟ ما يعني، «المجتمع الدولي» من حرب النظام على مجتمعه، في أمان.. الأسلحة الكيماوية في طريقها إلى التفكيك.. جبهة الجولان هادئة.. الأقليات أسلمت قيادها لحاميها الأمين. ما يجري في حلب والغوطة ودرعا، مجرد تكرار لحوادث ومجريات قديمة لا تلقى أدنى اهتمام من الغرب ووسائل إعلامه وقادته السياسيين و»الأخلاقيين».
في نظرهم، هذه حرب بين همجيتين، بين تسلطية أقلوية وبين إسلاموية إلغائية. وما من عاقل سيمد إصبعه إلى هذه الآلة الجهنمية التي ستلتهم الذراع في ثوان.
ويجوز الحديث إلى ما لا نهاية عن أخطاء انزلق إليها المعارضون السوريون وعن ممارسات انخرطوا فيها مما لا تختلف عن ممارسات النظام، من تحطيم الكنائس واحتلالها إلى ذبح الأسرى العلويين. ويصح كذلك اعتبار قصف أحياء حلب الفقيرة محاولة من النظام لدفع السكان هناك نحو المزيد من اليأس واعتناق التطرف الديني سبيلاً وحيداً للرد على العنف الذي يستهدفهم بعنف من الطراز عينه.
ولا يخفى كذلك ما يحرّكه الصمت العالمي على مجازر حلب الأخيرة مقابل الضجة التي أثارها اختطاف راهبات معلولا، من نقمة حيال هذا الاحتقار لقيمة حياة مئات القتلى لمجرد انهم لا ينتمون إلى واحدة من الأقليات الكريمة. وتبدو فظيعة تلك المقارنة بين الاستنكار الكبير (والمُحق) للهجوم على بلدات مسيحية وعلوية، وبين اللامبالاة أمام ذبح أبناء حلب بالبراميل المتفجرة.
يريد النظام إذاً، استدراج ردود فعل طائفية دموية على مجازره المخطط لها بعناية ووعي. يريد أن ينساق سنّة سورية إلى قتل مجنون لمسيحييها وعلوييها وشيعتها.
وسيحصل على ما يريد. ذلك أن جانب المعارضة والثورة لا يخلو من الموتورين والمتطرفين المستعدين لتلبية كل رغبات النظام العلنية والمضمرة. ولأن رياء العالم بلغ مستوى لا يحتمل في تجاهل مآسي السوريين، القتلى ببراميل بشار الأسد والمهانون بأجهزة أمنه والقابعون تحت احتلال حلفائه اللبنانيين والإيرانيين والعراقيين. والهائمون على وجوههم في شوارع بيروت وعمّان وإسطنبول وغازي عنتاب وغيرها، فيما يمثل إلغاء العقل والسياسة وأولويات الثورة والانغماس في عدمية «داعش» ومن يعادلها، تنفيساً مناسباً لاحتقان القهر والظلم والذل.
يصمت العالم لأن لا راهبات في حلب ولأن دماء أطفالها ونسائها رخيص. هكذا سيفسر المنطق الطائفي لا مبالاة المجتمع الدولي. سبق أن شهدنا هذه المعادلة في فلسطين ولبنان والعراق، وما قاد إليه هذا التعالي الاستشراقي من عنف وعمليات انتحارية وأحزمة ناسفة.
يصمت العالم لأنه لا يحب القضايا المعقدة. وخصوصاً لأنه لا يستسيغ وضع مصالحه في مواجهة ادعاءاته الأخلاقية. ولا مشكلة عنده في البحث عن وكلاء محليين حتى لو كانوا من صنف الزبانية والقتلة لتهدئة الأمور، كيفما اتفق، في انتظار الكارثة المقبلة. ولسياسة التفرج على حقول القتل تراث عميق في العالم المتحضر، من كمبوديا إلى البوسنة ورواندا والشيشان. «دعوهم يقتلون بعضهم بعضاً، ثم نتفاوض مع الناجين». ولا بأس أيضاً إن ظهر فهلوي من هنا وقائد ملهم من هناك ليؤكدا أن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة التكفيريين... بعد ذلك ترفع نعامة رأسها من الرمال وتسأل: من أين أتى هؤلاء؟.
نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية
ولماذا يبالي؟ ما يعني، «المجتمع الدولي» من حرب النظام على مجتمعه، في أمان.. الأسلحة الكيماوية في طريقها إلى التفكيك.. جبهة الجولان هادئة.. الأقليات أسلمت قيادها لحاميها الأمين. ما يجري في حلب والغوطة ودرعا، مجرد تكرار لحوادث ومجريات قديمة لا تلقى أدنى اهتمام من الغرب ووسائل إعلامه وقادته السياسيين و»الأخلاقيين».
في نظرهم، هذه حرب بين همجيتين، بين تسلطية أقلوية وبين إسلاموية إلغائية. وما من عاقل سيمد إصبعه إلى هذه الآلة الجهنمية التي ستلتهم الذراع في ثوان.
ويجوز الحديث إلى ما لا نهاية عن أخطاء انزلق إليها المعارضون السوريون وعن ممارسات انخرطوا فيها مما لا تختلف عن ممارسات النظام، من تحطيم الكنائس واحتلالها إلى ذبح الأسرى العلويين. ويصح كذلك اعتبار قصف أحياء حلب الفقيرة محاولة من النظام لدفع السكان هناك نحو المزيد من اليأس واعتناق التطرف الديني سبيلاً وحيداً للرد على العنف الذي يستهدفهم بعنف من الطراز عينه.
ولا يخفى كذلك ما يحرّكه الصمت العالمي على مجازر حلب الأخيرة مقابل الضجة التي أثارها اختطاف راهبات معلولا، من نقمة حيال هذا الاحتقار لقيمة حياة مئات القتلى لمجرد انهم لا ينتمون إلى واحدة من الأقليات الكريمة. وتبدو فظيعة تلك المقارنة بين الاستنكار الكبير (والمُحق) للهجوم على بلدات مسيحية وعلوية، وبين اللامبالاة أمام ذبح أبناء حلب بالبراميل المتفجرة.
يريد النظام إذاً، استدراج ردود فعل طائفية دموية على مجازره المخطط لها بعناية ووعي. يريد أن ينساق سنّة سورية إلى قتل مجنون لمسيحييها وعلوييها وشيعتها.
وسيحصل على ما يريد. ذلك أن جانب المعارضة والثورة لا يخلو من الموتورين والمتطرفين المستعدين لتلبية كل رغبات النظام العلنية والمضمرة. ولأن رياء العالم بلغ مستوى لا يحتمل في تجاهل مآسي السوريين، القتلى ببراميل بشار الأسد والمهانون بأجهزة أمنه والقابعون تحت احتلال حلفائه اللبنانيين والإيرانيين والعراقيين. والهائمون على وجوههم في شوارع بيروت وعمّان وإسطنبول وغازي عنتاب وغيرها، فيما يمثل إلغاء العقل والسياسة وأولويات الثورة والانغماس في عدمية «داعش» ومن يعادلها، تنفيساً مناسباً لاحتقان القهر والظلم والذل.
يصمت العالم لأن لا راهبات في حلب ولأن دماء أطفالها ونسائها رخيص. هكذا سيفسر المنطق الطائفي لا مبالاة المجتمع الدولي. سبق أن شهدنا هذه المعادلة في فلسطين ولبنان والعراق، وما قاد إليه هذا التعالي الاستشراقي من عنف وعمليات انتحارية وأحزمة ناسفة.
يصمت العالم لأنه لا يحب القضايا المعقدة. وخصوصاً لأنه لا يستسيغ وضع مصالحه في مواجهة ادعاءاته الأخلاقية. ولا مشكلة عنده في البحث عن وكلاء محليين حتى لو كانوا من صنف الزبانية والقتلة لتهدئة الأمور، كيفما اتفق، في انتظار الكارثة المقبلة. ولسياسة التفرج على حقول القتل تراث عميق في العالم المتحضر، من كمبوديا إلى البوسنة ورواندا والشيشان. «دعوهم يقتلون بعضهم بعضاً، ثم نتفاوض مع الناجين». ولا بأس أيضاً إن ظهر فهلوي من هنا وقائد ملهم من هناك ليؤكدا أن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة التكفيريين... بعد ذلك ترفع نعامة رأسها من الرمال وتسأل: من أين أتى هؤلاء؟.
نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية