منذ عدة أعوام اكتشفت معضلة الدعم الحكومي للعديد من السلع والخدمات، وظهرت الدعوات المبكرة بضرورة إعادة توجيه الدعم لمستحقيه من المواطنين بدلاً من أن تتحمل الحكومة الدعم الكبير عن المقيمين وكذلك القطاع الخاص الذي استفاد كثيراً من الدعم نفسه عبر عقود من الزمن بشكل بلاشك غير منصف.
المواطنون يرغبون في الاستفادة من هذا الدعم باعتبارهم شركاء في الثروة، وهذا حقهم الدستوري، والطموح الأكبر هو كيفية الاستفادة من الثروة لتحسين الأوضاع المعيشية بشكل أفضل. ومن الواضح أن الحكومة لديها قناعة مماثلة، وهو ما دفعها عبر عدة حكومات متعاقبة لدراسة كيفية توجيه الدعم لمستحقيه بدلاً من تساوي الدعم بين المواطن والمقيم وحتى السياح.
من المنطقي أن تكون الدراسات المتعلقة بهذا المشروع قد انتهت بعد سنوات من الجدل بين الرأي العام والحكومة. ولكن الخشية اليوم أن يتحول هذا المشروع إلى مأزق جديد بعد الإعلان عن بدء أولى خطواته برفع الدعم التدريجي عن الديزل.
من يتابع ما يدور بين الرأي العام المحلي يدرك حجم الضبابية والغموض السائد بين المواطنين بشأن المشروع نفسه، فهناك من فسره بأنه توجه لكي يتحمل المواطن ضريبة الدعم الشامل الذي استفاد منه الجميع دون استثناء طوال العقود المنصرمة. وهناك من اعتبره بداية لفرض نظام ضريبي خلال المرحلة المقبلة. الجمعيات السياسية من جهة أخرى تفاعلت مع المشروع وصار أداة جيدة لإشغال الرأي العام، وبعضها بدأت باستغلاله للدعاية الانتخابية المبكرة.
في الوقت نفسه ظهر من يحاول التشكيك في قدرات الحكومة للوفاء بالتزاماتها تجاه تحسين مستوى المعيشة، في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها.
ما تم حتى الآن مجرد رفع تدريجي للدعم عن الديزل، وظهر هذا الجدل الذي يتوقع له أن يتفاقم أكثر فأكثر خلال الأيام المقبلة. والخشية أن يوأد المشروع ويظهر قرار بتجميده لمزيد من «الدراسة» على غرار مشاريع أخرى انتهت بهذه الطريقة.
كل المطلوب الآن أن يخرج أحد المسؤولين للرأي العام ويشرح أهداف المشروع وتفاصيله الدقيقة وإطاره الزمني، والأهم الإجابة على سؤال: كيف سيستفيد المواطن من الرفع التدريجي للدعم؟ ومقدار الفائدة المباشرة وغير المباشرة التي ستطاله لتحسين مستوى معيشته؟ بدلاً من الجدل العقيم والمواجهات الإعلامية غير الناجعة حتى لا يصبح مشروع إعادة توجيه الدعم الحكومي مأزق اللامأزق، وتستمر المزايدات هنا وهناك على حساب المصلحة الوطنية العليا.