الخطباء والقراء والعلماء الذين قدموا إلى البحرين مع انطلاقة الموسم الكربلائي لهذا العام، فاجأتهم أجواء الأمان والاستقرار العام في البحرين، والأجواء السياسية والأمنية والاجتماعية بصورة عامة، والأجواء الكربلائية والحسينية بصورة خاصة.. فثمة فارق كبير جداً بين ما كانوا يسمعونه من بعض الفضائيات ويقرؤون عنه في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.. وبين ما شاهدوه بعيونهم وسمعوه مباشرة من أبناء الطائفة وما لمسوه في المآتم والمواكب الحسينية ومجالس العزاء التي تمارس كافة فعالياتها الدينية وشعائرها الحسينية بكامل حريتها ومن دون أية تدخلات حكومية أو أهلية..!
أحد هؤلاء العلماء قال لنا، وهو القادم من العراق، حيث القتل والتفجيرات شأن يومي، إنهم -أي الجهات المعنية بتشويه الصورة البحرينية وفبركة الأكاذيب عنهاـ حذرونا من الذهاب إلى البحرين، وزعموا أننا قد نتعرض للاعتقال والترهيب..! وإلى غير ذلك من المزاعم والأكاذيب..! غير أننا فوجئنا باستتباب الأمن والأمان، والحياة الاجتماعية المتصالحة، وفوجئنا أكثر بكل هذه التسهيلات المتاحة لكل أنواع الفعاليات والشعائر الحسينية، مما لا يمكن مشاهدته في أي دولة أخرى على امتداد العالم..!
ويقسم أحد الخطباء العراقيين المعروفين في رحاب المنبر الحسيني؛ أن هناك الكثير من المضايقات التي تتعرض لها بعض فئات الشيعة في العراق من فئات أخرى أثناء ممارستها لشعائرها الحسينية، بينما لا توجد في البحرين مثل هذه المضايقات على الإطلاق..!
بل يؤكد هذا الخطيب المعروف، أن الخطباء والقراء والمنشدين في العراق ربما يتلقون في بداية الموسم بعض التعليمات والتنبيهات من جهات حكومية وأخرى مرجعية؛ وثالثة أمنية، حول المواضيع التي ينبغي تجنبها أو التركيز عليها في الخطب والدروس والمحاضرات؛ بل في (الشيلات الحسينية)..! بينما لم يجد من هذا شيئاً في البحرين..!
هذه بعض شهادات مسؤولة من علماء وقراء مصدقين ومبجلين ولهم مكانتهم بين أبناء الطائفة سواء هنا في البحرين أو في العراق أو في أي مكان.. ولكنها شهادات وللأسف الشديد تبقى ذات إطار شخصي، وتبقى حبيسة الصدور، أو يتم التصريح بها على مستويات محدودة جداً..!
إن أقسى ما يقوله هؤلاء الشهود، أن كثيراً من المعلومات والأخبار وتقارير التشويه والمزاعم والأكاذيب، مصادرها بحرينية ومن أبناء الوطن الموجودين في الداخل والخارج على حد سواء..! وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء في الخارج، أن يتصلوا ببعض القراء والخطباء الذين اعتادوا على زيارة البحرين في موسم عاشوراء، لتحريضهم على التعرض للسياسة في دروسهم ومحاضراتهم؛ بل وفي بعض قراءاتهم..! وبالطبع هو مخطط له أهدافه البراغماتية التي لا تكترث لثورة الحسين عليه السلام ولا لرسالته الإنسانية والحضارية، بقدر ما تكترث للأجندات السياسية والأهداف الطائفية الضيقة التي تتعارض مع مفهوم الوطنية الشامل؛ بل وتتعارض مع الأخوة الإسلامية ورسالة الشريعة المحمدية السمحة..!
لقد اقترحنا على جهات وطنية وحكومية عدة استثمار الأجواء الحسينية الرحبة والمنفتحة في مملكة البحرين من أجل توجيه رسالة إعلامية وحضارية متماسكة للعالم كله، تؤكد تهافت كل المزاعم والادعاءات المغرضة عن صراع طائفي في البلاد.. وتدحض كل الادعاءات عن أي تمييز ممنهج يجري على أرضية طائفية أو مذهبية..! ونحن نعلم مدى تأثير مثل هذه الرسالة، ودورها في إعادة تشكيل الوعي العام داخليا وخارجياً بالحقائق البحرينية التي تبعث على الفخر والاعتزاز.. فنحن والحمد لله في وطن يسع الجميع ويحترم الجميع ويمنح الجميع دون استثناءات حزبية أو سياسية أو طائفية، ودون تمييز إثني أو جنسي أو ديني أو طائفي.. وهذا بالطبع لا ينفي صدور ممارسات سلبية محدودة وشخصية ذات بعد طائفي أو مذهبي.. ولكنها تبقى محدودة، وهي على العموم ليست حكراً على طائفة دون أخرى؛ بل يمكن العثور عليها هنا وهناك من دون تحديد أو استثناء.
وبالعودة إلى مربط الفرس في هذه المقالة، وموضوعها ورسالتها.. فمن أجمل ما تابعته شخصياً، وتابعه معي عدد كبير من الأصدقاء والأقارب وأبناء المنطقة، عبارات الارتياح ومشاعر الطمأنينة؛ بل السعادة التي سمعناها وقرأنا ملامحها ودلالاتها من السادة الخطباء والقراء والعلماء العراقيين، وهم يؤكدون لنا أنهم يشعرون بالأمن والأمان هنا في البحرين، ويشعرون بروحانية المناسبة الجليلة وهي تهيمن على كل أجواء المملكة من دون أية محاولة من أية جهة كانت لانتهاكها أو الإضرار بها..
وهكذا هي البحرين دائماً، وهكذا هي البحرين قديماً وحاضراً ستبقى كذلك مستقبلاً إن شاء الله؛ موئلاً آمناً ومطمئناً لكل الناس، من دون النظر إلى أشكالهم أو طوائفهم أو دياناتهم أو حتى أحزابهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، طالما كانوا يلتزمون القوانين، وينأون بأنفسهم عن الإرهاب.. ومملكة تلتقي فيها العقول والقلوب على المحبة والتصالح، من دون سؤال عن الطائفة أو المذهب أو العقيدة.. ووطن يستظل أمنه وأمانه وطمأنينته في رحاب دوحة العز والكرامة والشرف: دوحة عاهلنا وقائدنا ومليكنا المفدى حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه.. فهو رائد مسيرتنا التي بدأت بالمشروع الإصلاحي، وتواصلت محطات الإصلاح والتطوير فيها عبر السنوات وعبر الكثير من الجهود والمبادرات الوطنية الخلاقة، وعبر أبناء البحرين المخلصين لها ولرسالتها وقيادتها ولكل قيمة سامية فيها.. وستبقى كذلك ما بقي قلب بحريني واحد مؤمن بوطنه وأهله ومملكته وقيادته.