ليس من أمر ملحّ اليوم في البحرين كحاجتنا إلى إعمال لغة العقل والحكمة من جديد، وفرملة كل الغرائز التي دائماً ما تدفع «المهاوشين» والموتورين في سياق سخونة الأحداث السياسية السابقة والحاضرة إلى مزيد من المناوشات والمزايدات التي تكتسي لون الفتنة.
مهما شرق المفتن ومهما غرب الشاذ من أبناء هذا الوطن، تظل حاجتنا إلى العقل هي حاجتنا إلى الحياة، فالفوضى والتهور والجنون المفضي إلى الفتنة هو موت من نوع آخر، أشد قسوة وأشد إيلاماً على النفس.
قبل نحو ثلاثة أعوام من الآن حذرنا هنا من مغبة السير خارج فلك ومسلك هذا الشعب الراقي، وتحدثنا عن أهمية دور العقل والعقلاء في تطييب الخواطر وتسكين النفوس في أماكنها الطبيعية بين التاريخ والحضارة، لشعب طالما يضرب به المثل في النبل وطيب المعشر وسماحة الخلق.
حينها دعونا، هنا أيضاً، إلى أهمية أن يترك كل فرد بحريني خطاً للعودة، وأن لا يقطع كل منا أبسط ما يمكن أن يكون حبلاً متيناً للرجوع إلى ذلك الخط.
نحن هنا لسنا معنيين بالسياسيين وأهل المصالح ممن لهم ناقة أو جمل في أحداث البحرين، بل تحدثنا بالأمس، وما زالت هذه قناعتنا، بأننا كنا وما زلنا نخاطب عموم الشعب والمجتمع، وأن يكونوا أفراداً وجماعات على قدر كاف من الوعي والرشد المجتمعي حتى يمكنهم أن يعودوا للمسار الصحيح في أي وقت يمكن لهم ذلك.
البعض، وفي ذلك الوقت، كان يتهكم علينا ويرمينا بأبشع النعوت، سواء من هذا الطرف أو من ذاك، وها هم اليوم يرون صحة نظريتنا التي تقوم على العقل وليس على غضب الغواية، وبعضهم بكل تأكيد يحاولون أن يعودوا اليوم لكنهم لا يستطيعون ذلك، لأنهم ومنذ البداية لم يتحصنوا بخط العودة لو حان وقت العودة، فقاموا وقتها بتقطيع كافة حبائل الرجعة.
نحن نؤكد مرة أخرى هنا ولكي لا يساء فهم كلامنا هذا، بأننا نقصد ونخاطب أبناء هذا الشعب «الطيب»، أما الساسة وأصحاب المصالح فنحن لسنا معنيين بأمرهم، لأنه من الممكن أن تتغير كل مواقفهم بالكامل إذا تطلبت المصلحة ذلك، لكن البعض ما زالوا يؤمنون أن في السياسة ثوابت وقواعد وعلاقات تاريخية، بينما ليس هنالك أي شيء من هذا الهراء في عالم السياسة.
الساسة يتصارعون أشد الصراع فيما بينهم، وإذا التقت مصالحهم يجلسون ويضحكون ويتسامرون ويتصافحون ويثرثرون ويضحكون، كل ذلك على طاولة واحدة، بينما في المقابل تظل الأحقاد والضغائن في نفوس الأتباع من أبناء المجتمع مترسبة في نفوسهم بقوة، ويا لها من مفارقة غريبة وعجيبة!
يجب أن تكون إرادة الشعب بعيدة عن إرادة القوى السياسية في غالب الأحيان، كما يجب أن يلتقي الناس البسطاء فيما بينهم بصورة ودية بحرينية، أكثر مما يلتقي الساسة على طاولات كانت بالأمس، طاولات لا تصلح حتى للأكل، وسبحان مغير الأحوال.