لو قسمنا شعب البحرين إلى نصفين متساويين وسألنا النصف الأول منه عن رأيه فيما قاله النائب أحمد الملا عن وفد الجمعيات السياسية الذي قام مؤخراً بجولة في بعض العواصم الأوروبية؛ فسيقول إنه أصاب به كبد الحقيقة، ولو سألنا النصف الآخر السؤال نفسه لوفر الإجابة نفسها، فالجميع يؤيد ما قاله النائب عن هذا التصرف «الفالت» من «قوى المعارضة»، والتي من الواضح أنها تريد أن «تشد ظهرها» بالأجنبي الذي تعتقد أنه طيب ولا تنتبه إلى أنه لا يفعل ما يفعل من أجل سواد عيونها، فهناك حيث حطوا رحالهم لا يقدم المعنيون شيئاً بالمجان، وكل ما يفعلونه لا بد أن يخدم مصالحهم وإلا تمت محاسبتهم، فهؤلاء لا يرمون فلوسهم في الهواء ولا يصرحون هكذا من دون مقابل، والأكيد أنهم لا يفعلون إلا ما يخدمهم ويخدم أهدافهم (يعني بالعربي كل حاجة بثمنها).
في جولته في بعض العواصم الأوروبية يوصل وفد «المعارضة» معلومات خاطئة وأخرى غير دقيقة عن البحرين، وهي معلومات تحمل في طياتها كثيراً من المغالطات وتعتمد أسلوب التضخيم والمبالغة عند تقديمها، خصوصاً فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، (وهذا أمر أكيد لأنهم لو قدموا صورة إيجابية فإنهم يكونون بهذا قد ناقضوا تصريحاتهم الكثيرة للقنوات السوسة ولضاع مبرر القيام بالجولة).
إن قول النائب الملا بأن «هذه الممارسات تؤكد عدم الجدية واللامسؤولية وتكشف النوايا غير الصادقة للمشاركة في عملية استكمال حوار التوافق الوطني»، قول صحيح أيضاً يؤيده النصف الأول من شعب البحرين، ويؤيده كذلك النصف الآخر لأنه صحيح مائة في المائة. واتهام النائب -الذي يرأس وفد مجلس النواب إلى العواصم الأوروبية بغية توضيح الحقيقة- للجمعيات السياسية بأن «ما تعلنه في خطابها داخل البحرين عن سعيها للتهدئة والتقدم بخطوات لوقف عمليات العنف وما أسمته تبريد الأجواء تبين أنها غير صادقة فيما تقول وتصرح»، اتهام في محله وصحيح مائة في المائة أيضاً، فكيف للجمعيات السياسية التي تقول كل هذا أن تتخذ قراراً سريعاً وتجول في أوروبا لتمارس التحريض ضد البحرين في وقت أعلنت فيه أنها مع المبادرة الجديدة التي أطلقها جلالة الملك، وأكدت أن لقاءها مع سمو ولي العهد الذي تم تكليفه بإدارة الملف كان إيجابياً ومثمراً وأنه اتسم بالشفافية والصراحة؟
الواضح أن الجمعيات السياسية ذهبت إلى هناك كي تحصل على ما يشعرها بأنها تمتلك ظهراً قوياً تعتقد أنها يمكن به أن تخيف الدولة، فتحقق بالتالي عبر طاولة الحوار مكاسب ليست في الحسبان، فهي تعتقد أن الدولة لا تحتاج إلا إلى إشهار هذه الورقة كي تعطي صاغرة. هذا دليل آخر على أن هذه الجمعيات السياسية تعاني من فقر في القدرات والخبرات السياسية، فالدولة لا يهمها كل ذلك ولا تحسب له أي حساب لأنه لا قيمة له. قيمته الحقيقية هي في فضحه لـ «المعارضة» التي تبين أنها تمتلك المال الذي تستطيع به تمويل هذه الرحلة المكلفة، وفي فضحه للعلاقات التي تربطها بالأجنبي الذي سعت ولا تزال لإدخاله طرفاً في قضية محلية يمكن حلها في «قعدة على فنجان قهوة» ولكن في غياب الأجنبي.
الجمعيات السياسية ذهبت إلى أوروبا بغية الحصول على دعم منظمات وأفراد وجهات لا تستطيع في كل الأحوال سوى الاستماع إليها ومجاملتها بالقول إنها على حق، وإن زادوا فلن يزيدوا عن قول «الله ييسر أموركم ويحقق اللي في بالكم» ولكن ليس باللغة العربية طبعا!
قيام وفد من مجلس النواب بزيارة العواصم الأوروبية لبضعة أيام كان كفيلاً بإفشال ذلك التحرك المريب الذي جاء في الوقت الخطأ ليقول للأجنبي «قد حان دورك يا صديقي»!