بعد 9 أشهر من العمل والتحقيق المتعدد الأماكن والجهات، قدمت (لجنة التحقيق البرلمانية في قضية اللحوم والمواشي والحظائر) تقريرها إلى مجلس النواب متضمناً (16) توصية، خلت أي منها من توجيه الاتهام المباشر إلى أي وزير من الوزراء الثلاثة المعنيين بموضوع اللحوم الحمراء، وبالتالي لم تطلب استجواب أياً منهم.
الأدهى من ذلك أن تقرير اللجنة وتوصياتها لم يشر بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى شحنات اللحوم أو المواشي الفاسدة التي دخلت الأسواق، أو ضبطت لدى الباعة، أو المشترين الذين بيعت عليهم بالغش وحملوها إلى منازلهم أو أي جهة أخرى.
فالتقرير ومداخلات رئيس وأعضاء لجنة التحقيق تتحدث عن وجود لحوم فاسدة ضبطت بالمنافذ بعد أن وصلت البلاد في رحلة طويلة (غير صحية)، وأن شركة البحرين للمواشي المستوردة للحوم المبردة، والجهات الرسمية الأخرى كوزارة الصحة تحفظت على كميات اللحوم الفاسدة تلك وتم إتلافها وبالتالي لم تصل إلى الأسواق.
والحال كذلك ينطبق على المواشي التي تصل البلاد منهكة أو حتى مريضة، البعض منها ينفق في الحظائر، والبعض منها يكتشفها الأطباء البيطريون أثناء فحصهم لها قبل الذبح في المسلخ، وبالتالي تعزل ويتم التخلص منها.
بعبارة أخرى إن ما ورد في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في قضية اللحوم استمعت إلى ما هو أكثر منه بكثير في ندوة عقدها عضو المجلس البلدي بالمحرق علي الملقة، وهي الندوة التي عقدها بمجلس الدوي وقدم فيها أمثلة من اللحوم المبردة التي وصلت البلاد فاسدة، والمواشي التي ضبطت بالمسلخ مريضة لكنه هو الآخر لم يشر إلى تسرب اللحوم الفاسدة إلى الأسواق.
ما لفت نظري في أقوال علي المقلة، والذي انفرد دون غيره من البلديين في البحرين باهتمامه الشديد بقضية اللحوم الفاسدة ثم سكوته تماماً عنها، لفت نظري قوله في ختام الندوة: «أوصيكم، ثم أوصيكم بعدم شراء اللحوم المذبوحة خارج البحرين سواء كانت مبردة أو مجمدة، فهي غير موثوقة من الناحية الصحية، وأنصحكم بشراء اللحوم المذبوحة داخل البحرين، في المسلخ المركزي فهي مضمونة وصحية».
حاولت أن اعرف لماذا يقدم المقلة هذه النصيحة وهو ليس طبيباً بيطرياً ولا حتى بشرياً، ولم أجد إلا تفسيراً واحداً، وهو تفسير ديني، أي أن المواشي التي تذبح في البحرين مضمون ذبحها حسب الشريعة الإسلامية، والتي تذبح خارج البحرين فلا ضمانة دينية لها.
الوزراء الثلاثة المعنيون (الصحة، الصناعة والتجارة، البلديات والتخطيط العمراني) عملوا جاهدين على أن يقذفوا الكرة أو الاتهام بعيداً عن ملعبهم، أحدهم فقط استدرك بعد دفاع مستميت عن وزارته، وقال إن الوزارات الثلاث مكملة لبعضها البعض في مسألة الرقابة على اللحوم من لحظة دخولها حية أو مذبوحة إلى البلاد حتى عرضها للبيع في الأسواق، وأن القوانين التي تطبقها هذه الوزارات هي الأخرى مكملة لبعضها البعض.
على سبيل المثال لا الحصر فقد طالبت توصيات لجنة التحقيق أرقام (1) ، (4) ، (5) بتفعيل القوانين السارية، وطالبت معظم التوصيات الأخرى بتطوير الحظائر وتكثيف الرقابة، وإيجاد الأسواق الحديثة، وتطوير نقل اللحوم وتنويع مصادر استيرادها، وهي كلها توصيات عامة ومكررة ومعروفة منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا علاقة مباشرة لها بضبط كميات لحوم فاسدة، إنما تندرج كلها في باب اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم تكرار حدوث ذلك.
التوصية رقم (7) هي ما يجب أن نتوقف عندها، والتي تقول: «إعادة توزيع الدعم المالي المقدم لشركة البحرين للمواشي على ضوء فترة الامتياز الممنوحة لها باستيراد اللحوم الأسترالية بموجب المرسوم رقم (22) لسنة 2001 بحيث يتم توزيعه بين الشركات العاملة في مجال استيراد المواشي طبق الاشتراكات والمواصفات التي تحددها الحكومة، أو- هذا بيت القصيد- إنشاء شركة مساهمة جديدة لاستيراد اللحوم من الخارج».
إذاً كل هذه الضجة من أجل الإطاحة برأس شركة البحرين للمواشي، والإتيان بشركة أخرى محلها، علماً أن هذه الشركة مملوكة لأربع جهات بالتساوي هي الحكومة ممثلة في وزارة التجارة، وثلاث شركات بحرينية مساهمة عامة ومتخصصة في صناعة وتجارة الأغدية.
فالدعم الذي تقدمه الدولة للحوم الحمراء من أجل تخفيض أسعار بيعه للمستهلك، هذا الدعم يذهب لشركة البحرين للمواشي، ولجنة التحقيق البرلمانية تطالب بمعاقبة هذه الشركة على جريمة لم يثبت ارتكابها قانوناً، وتحويل الدعم منها إلى شركة جديدة يتم إنشاؤها للاستحواذ على هذا الدعم.
والسؤال هنا يقول: ماذا لو صدقت التسريبات التي تتوقع أن يبدأ إلغاء الدعم عن اللحوم الحمراء، هل تفعل التوصية رقم (7)؟!