البحريني لديه حساسية من كلمة «لجنة»، ومن الأقوال الشهيرة التي تصدر عنه القول بأنه «إذا أردت أن تضيع موضوعاً اعمل له لجنة»، لكن على ما يبدو وبحسب ما نراه فإن اللجنة الوزارية المعنية بالبت في مخالفات وتجاوزات تقرير ديوان الرقابة تختلف هذه المرة عن بقية اللجان، وهذا ما كنا ننادي به فور تشكيلها.
اللجنة تشكلت بأمر من سمو رئيس الوزراء ويرأسها سمو ولي العهد، حفظهما الله، وكان واضحاً من البداية أن هدفها قيام الحكومة بنفسها باتخاذ إجراءات مباشرة تجاه هذه التجاوزات دون انتظار حراك الجهة الأخرى المعنية بالرقابة والمساءلة وحتى طرح الثقة ونعني بها السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب.
ما صدر بالأمس عن سمو ولي العهد بشأن اتخاذ إجراءات «عملية» بشأن ما توفر للجنة من تقارير قدمتها الجهات المعنية مسألة تدعو إلى «التفاؤل»، ودعونا نتحدث بصراحة هنا، إذ مر علينا زمن منذ سمعنا أن لجنة «حديثة التشكيل» يصدر عنها توجيه «عملي» وتتخذ إجراءات في هذه الفترة الزمنية، وهذه مسألة تحسب لها.
بحسب توجيهات سمو النائب الأول لرئيس الوزراء فإن الملفات التي تحتوي على المخالفات والتجاوزات تم تحويلها إلى النيابة العامة إضافة لعدد من المعنيين بهذه التجاوزات، ورغم أن الناس ستطالب بكشف هوية من تجاوز إلا أننا نقول بأن إحالتهم للنيابة وتحويل المخالفات مسألة جداً إيجابية.
ورغم ذلك أيضاً، فإن الأمل معقود أن تستمر هذه الإجراءات لتشمل كل محاور التقرير ونعني التجاوزات المثبتة فيه، وأن تصل إلى المسؤولين المعنيين بهذه التجاوزات دون وضع اعتبار لمناصب وأسماء ومواقع وقرب أو بعد أو دخول للعواطف والمشاعر هنا، إذ نحن نتحدث عن البحرين والتي لا يوجد من هو «أعز» منها، ونتكلم عن المال العام الذي هو «حرام» الاستهتار فيه وهذا ما يؤكد عليه قادة البلد شدد عليه بالأمس أيضاً سمو ولي العهد حينما قال: «إن الحرص على المال العام وضمان توظيفه الأمثل لصالح المواطنين هو أحد ركائز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك».
عملية التصحيح تتطلب أولاً «نية صادقة» وثانياً تتطلب «جرأة اتخاذ القرار»، واليوم نتساءل من مبعث حقنا في التساؤل بحرية ودون قيود: ما الذي يجبر الدولة أن تصبر على استهتار مسؤول أو على فشل وزير؟! ما الذي يجعل الدولة نفسها تحمي المقصرين عبر عدم محاسبتهم؟! بل ما الذي يمنع الدولة من أن تقدم للناس نموذجاً حياً ومثالاً صريحاً لإجراءات عقابية بحق أي متنفذ استغل منصبه واستهتر بالمال العام؟!
الصرامة في محاربة الأخطاء هي المطلوبة في مجتمع ينشد الإصلاح ويرفع شعارات تحارب الفساد وترنو للمثالية، وخطأ كبير أن تتداخل عملية الإدارة الصحيحة مع المشاعر والعواطف والأحاسيس لأنها تؤثر على اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام. لا نقول انصبوا «مقصلة» هنا، لكن نقول بأن من يخطئ يحاسب ويعاقب بحجم الخطأ الذي ارتكبه، خاصة وأن الخطأ بحق قطاع حكومي هو «ملك للدولة والناس» أي أن من يخطئ باستغلال هذا المنصب تقع عليه جريمة تمنح أي مواطن الحق في المطالبة القضائية بإحقاق «الحق العام».
لكننا كخليجيين وعرب تؤثر علينا المشاعر، ونظنها «إنسانية» و»رحمة»، رغم أنها لا توجه في الاتجاه الصحيح، إذ لو تمعنا في مخالفات عشر سنين بواقع عشرة تقارير لاكتشفنا أن هناك أخطاء تتكرر وملاحظات تكثر وبلاوي تزيد في قطاعات مسؤولها الأول لم يتغير وطاقمها الإداري صاحب القرار لم يتغير، بالتالي هنا نقول ونكرر بأن التسامح وغض الطرف مرة، يدفع بعض الناس (وليس كلهم) إلى التساهل والتمادي في التجاوزات، خاصة وأنهم يلعبون على ورقة (يعتبرونها مضمونة) تتمثل بأنه لن تتم محاسبتنا.
بداية عمل اللجنة إيجابي وهذا ما نراه، وكثيرون يتوسمون خيراً فيها من خلال توجيهات من شكلها ومن يرأسها، والأمل معقود أن تكون لها نتائج أكثر قوة وصرامة ترفض التهاون وترفض التغاضي وغض النظر عن الأخطاء، وإن وصلت المسألة لإقالة وزراء ومسؤولين كبار.
هذه الأخطاء والتجاوزات يجب أن تقطع، تكفي عشرة أعوام بتقاريرها فيما أثرت فيه على نفسيات المواطنين وخلقت لديهم الإحباط، نعم نقولها بكل صدق، المواطن أصابه الإحباط كل عام بسبب هذه التقارير التي مضمونها لو وضع في جملة رئيسة لما خرج عن المفهوم التالي، بأن «هناك فساد لكن ليس هناك مفسدون»، ولماذا؟! لأن المفسدين لا يحاسبون!
نشد على يد كل مصلح في هذا البلد، ونتطلع لإجراءات أقوى وأكثر صرامة، ونطالب بألا يأخذكم العطف بكل شخص «لم يعطف» على الدولة وعلى المواطن حينما قبل بأن يستهتر إدارياً ويستهين مالياً بالمال العام.