صرف شعب البحرين الأسبوع الذي انصرم في موضوعي رفع سعر الديزل و«تبييت النية» من قبل الحكومة لرفع الدعم عن المواد الغذائية المدعومة بغية خفض العجز في الميزانية. النتيجة كانت أن أحداً لم يوافق على الموضوعين، حتى أن أعضاء المجلس النيابي «حمسوا» وانسحبوا من جلسة الثلاثاء تعبيراً عن رفضهم لهما وعن تجاوز الحكومة لهم بإصدار قرار رفع سعر الديزل من دون حتى التشاور معهم، وكأن مجلسهم غير موجود.
أما اللقاء الذي جمع بين سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد في نفس اليوم فأسفر عن مخرج جميل أتاح الفرصة للمشروع كي ينمو وحقق في الوقت نفسه تطلعات النواب ورغبة الشعب، حيث صدرت التوجيهات إلى وضع الخطط من أجل خفض العجز في الميزانية والعمل على «توجيه الدعم لمستحقيه بشكل يعظم فائدة المحتاج لهذا الدعم ويستثني من هو دون الأهلية له»، بالإضافة إلى التشاور والتنسيق بهذا الشأن مع المؤسسات الدستورية التي تمثل الشعب والكيانات التي تمثل القطاعات التجارية، ما يعني التريث في إصدار القرارات في هذين الموضوعين اللذين أربكا الجميع، خصوصاً فئة المحتاجين للدعم.
اللافت في موضوع الدعم هو أن الشعب بشكل عام يؤيد فكرة العمل على وضع الخطط من أجل خفض العجز في الميزانية، ويؤيد أيضاً فكرة أن يقتصر الدعم على المحتاجين له، فما يحدث الآن هو أن الجميع من دون استثناء يستفيدون من الدعم الذي يستهلك ميزانية كبيرة يمكن التوفير منها لإنشاء مشاريع يستفيد منها المواطنون جميعاً.
اليوم يستفيد الغني من الدعم بالمقدار نفسه الذي يستفيد منه الفقير، رغم أن الغني دون الأهلية له فهو غير محتاج لهذا الدعم بالمرة. ليس الغني فقط؛ لكن كبار الموظفين وأصحاب الدخول العالية أيضاً لا يحتاجون لهذا الدعم، وبالتالي ينبغي استثناءهم منه لأنهم لا يستحقونه، وحصولهم عليه يعني أخذهم جزءاً من نصيب المحتاجين الحقيقيين للدعم.
ولكي تنضبط الأمور صار لزاماً الآن على مجلسي الشورى والنواب أن يعملا على تحديد الفئة المحتاجة للدعم تحديداً دقيقاً، بحيث لا يستفيد منه سواها، ثم عليهما أن يوجدا الآلية التي يمكن بها ضبط الأمور ومنع التجاوزات بما يضمن حصول المحتاجين للدعم فقط عليه، فالدعم لمستحقيه فقط، ومستحقوه هم محدودو الدخل وليس غيرهم.
لكن على أعضاء مجلسي الشورى والنواب أيضا أن ينتبهوا إلى مسألة أن الآلية التي سيتم وضعها ينبغي ألا تتسبب في هدر كرامة المواطن المحتاج للدعم، ذلك أن كرامة المواطن أهم من الدعم، وأنه لا قيمة للدعم إن كان سيتسبب في هدر كرامة المواطن. كما إن عليهم أن يعملوا على مراقبة الأسعار ووضع آلية للمراقبة، فلا قيمة للدعم لو ترك للتجار رفع الأسعار على هواهم كما هو حاصل الآن، بل إن عليهم أن يؤسسوا فريقاً متخصصاً لمراجعة الأسعار الحالية التي زادت بطريقة صار معها المواطن إن أراد شراء شيء أن يسأل صاحب الدكان سؤالاً من قبيل «عصير بو مائة فلس بكم؟!».
المبالغ التي تخصصها الحكومة لدعم السلع الأساسية كبيرة؛ بل كبيرة جداً، أكثرها يذهب لغير المستحقين، وفي هذه القناعة يتشارك النواب والشعب مع الحكومة، ويتشاركون أيضاً في أهمية خفض المصروفات وتقليل الهدر الحاصل في أمور ومشاريع لا عائد من ورائها.
بتنفيذ توجيهات أصحاب السمو رئيس الوزراء وولي العهد يمكن خفض العجز في الميزانية وحصول مستحقي الدعم فقط عليه.
الأرضية ممهدة جيداً للدخول في هذا المشروع الذي صار لا بد منه وحان الوقت لترجمته إلى واقع، فالشعب متفهم لمسألة خفض العجز في الميزانية ولمسألة أن يقتصر الدعم على «المدعومين» فقط!