ظاهرة هروب الخادمات من المنازل تفاقمت كثيراً خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، حيث دلت الإحصاءات الصادرة من وزارة العمل على تزايد أعداد الهاربات عاماً بعد عام، وبالتالي تزايد الأضرار التي تلحق بالمواطن/الكفيل من ناحية والبحرين بصفة عامة، جراء انتقال أغلب الخادمات الهاربات إلى سوق المتاجرة بالبشر.
وزارة العمل، الجهة الأولى المسؤولة عن تفاقم هذه الظاهرة، قدمت أرقاماً متفاوته لتطور أعداد الخادمات الهاربات، ففي حين أعلن وزير العمل أن عدد حالات الهروب في عام 2011 بلغ 1595، قال مدير التفتيش والنقابات العمالية إن عدد الهاربات في العام نفسه 1722، وفي عام 2012 ذكر الوزير أن العدد هو 2028، في حين حدده مدير التفتيش برقم 1960، أما في العام الحالي 2013 فذكر الوزير أن عدد الهاربات حتى أكتوبر الماضي هو 1412، واتفقت الوزارة على أن معدل الهروب يومياً لخادمات المنازل يبلغ 5 خادمات.
أما من حيث الجنسيات؛ فذكرت وزارة العمل أن الخادمات الفلبينيات على رأس الهاربات على مدى العامين والنصف الأخيرين بعدد 1216 هاربة، تليهن الإندونيسيات بعدد 1117 هاربة.
والأرقام كما نرى كبيرة وخطيرة وتتكرر بمعدل 1500 حالة كل عام، الأمر الذي فرض على وزارة العمل المسؤولة عن هذا القطاع العمالي منذ سنوات طويلة أن تقف عند تفاقم هذه الظاهرة بجدية وحسم، ولا تكتفي بالقول إنها «تقوم بالتحقيق في الشكاوى التي ترد من خدم المنازل أو كفلائهن وتعمل على تسوية الخلافات»، وهو إجراء يعكس عدم اهتمام الوزارة بخطورة المشكلة، ولا جديتها في وضع حد لها سواء منفردة أو بالتعاون مع جهات أخرى.
فالذي يقوله الأهالي أو الكفلاء من المواطنين إن هناك عصابات من العمالة الآسيوية «الفري فيزا» هم الذين يقومون بإغراء الخادمات، أو بالأحرى تسهيل وترتيب هروبهن، ومن ثم يقومون بضم الأعداد الهاربة إلى مجموعات تجارة البشر، والتي كانت متركزة لسنوات في الحورة والقضيبية وتوزعت على مناطق أخرى في الفترة الأخيرة.
ويقولون أيضاً -ويؤكدون على ذلك بأمثلة وحالات وصل بعضها إلى الجهة المسؤولة بوزارة العمل- إن هناك من العاملين غير البحرينيين في مكاتب استقدام العمالة هم الذين يقومون بتسهيل هروب الخادمات بعد فترة من انتقالهن إلى منازل الكفلاء، وإن هؤلاء الموظفين مرتبطون بالعصابات التي تعمل خارج المكاتب.
ولأن المسؤولين في وزارة العمل يعلمون علم اليقين بالارتفاع المضطرد في كلفة استقدام الخادمات بصفة عامة، والجنسيات التي تهرب أكثر بصفة خاصة، والتي ارتفعت من 200-1000 دينار ومدى الخسائر والأضرار التي تلحق بالمواطنين الكفلاء وأغلبهم من متوسطي ومحدودي الدخل.
ويعلمون كذلك عدد المرات التي تهرب فيها الخادمة من الأسرة الواحدة، لأنهم يعلمون ذلك وأكثر، فقد كان عليهم أن يتحركوا بجدية وبفاعلية من خلال:
• مراقبة مكاتب استقدام العمالة المنزلية، وخاصة تلك التي يتكرر فيها الإبلاغ عن هروب الخادمات المستقدمات أو المحولات من هذه المكاتب، فعملية الهروب التي تحدث في أقل من أربعة شهور من وصول الخادمة إلى المنزل، لابد وأن يكون للمكتب أو العاملين فيه بدٌّ في هذا الهروب.
فإدارة التفتيش بالوزارة مسؤولة عن هذه المراقبة والمتابعة واستدعاء وسؤال صاحب المكتب عن كل حالة هروب وتحميله مسؤولية الهروب من جانبه والعاملين معه، والإدارة بعد ذلك مطالبة بتزويد وكيل الوزارة بتقرير كل شهرين بتفاصيل حالات الهروب، ومكاتب الاستقدام التي جاءت منها الخادمات الهاربات، والوكيل مسؤول هنا عن اتخاذ الإجراءات الإدارية المناسبة بما فيها محاسبة إدارة التفتيش وإنذار أو إغلاق المكاتب أو غيرها.
• المسؤولية الأخرى تقع على وزارة الداخلية التي هي مثل وزارة العمل لا تأخذ تفاقم هروب الخادمات -وبالشكل الذي أوضحته الأرقام- بالجدية اللازمة، فبالمقابل لم نسمع ولم نقرأ أن الوزارة قامت بحملات تفتيش في الأسواق والمناطق التي تتواجد فيها الخادمات الهاربات، سواء كانت المناطق السكنية أو الفنادق والمطاعم، وهو إجراء لا يستلزم أكثر من الاطلاع على البطاقة السكانية.
فلو تعاملت وزارة الداخلية بجدية لوجدنا نتائج ملموسة من هذا الاهتمام الجدي في إعلان الوزارة عن عدد الخادمات الهاربات اللواتي تم القبض عليهن، ومعرفة أسباب الهروب والجهة المشجعة على الهروب، والمكان الذي تواجدت فيه الهاربة بعد هروبها.
إن من حق المواطن على وزارتي العمل والداخلية، أن تقوما بواجباتهما للحد من هذه الظاهرة وأضرارها وخسائرها، وأن تتحرك الأولى بما هو أبعد من التحقيق في الشكاوى، وتتحرك الثانية بما هو أبعد من تحميل المواطن ثمن تذكرة الخادمة الهاربة بعد تسليم نفسها للشرطة وتقرر بنفسها العودة لبلادها.
فحجم هذا التصرف هو الذي يشجع على تزايد الخادمات الهاربات، وتزايد المتاجرين بالبشر.