لا يعلم الإنسان المعاصر أي دين يعتنق، وأي منهج يسير عليه، ولا يدري إنسان هذه الأرض ما هي أصلح الأطروحات التي يمكن أن تنتهي به إلى السعادة والنجاة.
يقال إن الشك هو الخطوة الأولى للوصول إلى اليقين، لكن حين تتحول الشكوك إلى شكوكٍ متواصلة لا تنتهي، فحينئذ يبدأ الإنسان في الدخول إلى مرحلة الشكوك الثابتة، وهذه المسألة هي التي ستبعده عن كل نور، وستقذف به عن كل حق.
رَسَمَت الرأسمالية منهجاً حراً للإنسان، وَدَعَتْهُ للسير على هديه، حيث آمنتْ أن هذا المنهج المنفتح هو الذي سيوصله للسعادة الخالصة، لكنه وجد نفسه في نهاية المطاف يقبع في مجتمع طبقي بامتياز، فإما أن يكون غنياً فاحشاً، أو فقيراً لا يملك قوت يومه، فإذا أراد أن يكون غنياً فعليه أن يكون ظالماً وسالباً لحق غيره، أو أن يعيش مدى الدهر بين الحفر!
جاءت الشيوعية فألغَتْ كل الطبقات، كرد فعل حتمي للرأسمالية الجشعة، وحاولت أن ترسم مبادئ وقيم أكثر صلابة من سابقتها، لكنها خلقت مجتمعات أكثر فقرا وأكثر ألما، وأكثر ثورية طوباوية من غيرها!
أما المسلمون فإنهم روجوا للفكر الإسلامي النقي، وحاولوا الوقوف بين المنزلتين، بين الشيوعية والرأسمالية، ليقولوا للعالم إن الإسلام هو المنزلة الوسط، وأن الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط، فقدموا برامج للإنسانية لا غبار عليها، لكنهم فشلوا في أن يكونوا أول الملتزمين بقيم الإسلام على الأرض!
لا يعلم الإنسان أين يتجهُ، فأمامه كل البوصلات محطمة ومشكوك في مصداقيتها، هل ينحاز جهة الغرب الرأسمالي الذي اتخذ المال آلهة دون الله؟ أم أن يكون شيوعياً كحطبة شطرنج في ملعب الكبار ليس له حول ولا قوة، يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون؟ أم يكون مسلماً فيجد الإسلام ولكنه من المستحيل أن يجد في حياته مسلمون؟
ما هو الأنموذج الصالح؟ هل هي الرأسمالية التي كدَّسَت الثروة في أشخاص يعدُّون على الأصابع، لكنها في المقابل حَرَمَت المليارات من البشر منها، حتى أفنت الطبقة الوسطى من الوجود؟ أم هي الشيوعية التي فشلت حتى الآن في رسم العدالة والمساواة بين البشر، وذلك من خلال إنتاج مخلوقات مطيعة للشيوعية القاسية، لكنها أكثر طبقات الأرض فقراً؟
نحن هنا لا نختلف عن كون الإسلام هو المنهج الأكثر اعتدالاً وروعة وإنسانية، حيث إنه يعيش بين رحمة الشرق الإشراقية، وعبقرية الغرب المادية، كما أشار لذلك الفيلسوف البوسني علي عزت بيجوفيتش، لكن الواقع الصادم للمسلمين، جعل البشر ينفرون من الإسلام أيضاً، لأنه فشل بفشل أتباعهِ في خلق نماذج راقية من المسلمين، بل أثبت الواقع أن النماذج الإسلامية الحاضرة على الأرض اليوم، هي أسوء مَنْ مَثَّلَ الإسلام عبر تاريخه الممتد. فحين تنتشر مقاطع فيديو لبعض الجماعات الإسلامية من هنا وهناك، وهم يقطِّعون الرؤوس ويفجرون أنفسهم في الأطفال والنساء، ويلعبون كرة القدم لكن برؤوس مقطعة في مناظر وحشية تقشعر منها الأبدان، ثم يُعرض هذا الفيديو في قنوات أوروبية وعالمية، وبعدها نطالب العالم بأن يكون مؤمنين برسالة خاتم الأنبياء، فهذا سخف لا قيمة له!
الرأسمالية فشلت كمنهج، وكذلك الشيوعية، لكن الإسلام نجح كمنهج، وفشل أتباعه في أن يكونوا رحمة للعالمين، ومن هنا وفي العقود الأخيرة تحديداً، بدأت نسبة الملحدين والمشككين والحائرين تزداد في كل أنحاء العالم، وبَدَأَت البشرية تكفر بكل العقائد، لأن الجميع فشل في إقناع النفس الإنسانية بجمال وكمال ما يدعون إليه، إلا من رحم ربي، ولا أبلغ من رسالة نوجهها للمسلمين خصوصاً، من الحديث المأثور (كونوا لنا دعاة صامتين)، أمَّا الكتب والمحاضرات والدعوات فإنها لا تمثل ضميراً حيَّاً للآخر المختلف، حين يجدكم دائماً وأبداً في آخر الرَّكب.