ليس التحاور مع مجموعة الوفاق كرهاً للشعب البحريني فحسب، بل كتب على الوفاق التحاور مع شعب البحرين وهو كره لها أيضاً، وهذه نتيجة طبيعية حين يحاول طرف ما فرض أمر واقع على الآخر بالقوة وبالاستعانة بأطراف خارجية، مصير تلك المحاولة الفشل.
ما وفره لنا الميثاق الوطني من بيئة وأدوات دستورية لإدارة الاختلافات منذ لحظة إقراره لم يكن يقف أمام أي وجهة نظر أورؤية سياسية ولم يعق طرحها ولا حتى أعاق تنفيذها، لو كانت هناك رغبة حقيقية في الإصلاح عند أحد الأطراف، بل على العكس كان التدرج في تطوير تلك البيئة -والذي عد عائقاً- فرصة سانحة كي تكتسب هذه القوة السياسية مهارات التحالف والتوافق في فن إدارة الاختلاف بينها وبين بعضها البعض، والدليل أن الاختلاف في وجهات النظر حين خرج عن نطاق ما خطه الميثاق والدستور قاد إلى التصادم والشحناء والبغضاء الذي يعاني منه شعب البحرين الآن.
فمناخ الحرية الذي وفره الميثاق الوطني والدستور خلال السنوات العشر الأخيرة مكن كل طرف من التحاور والنقاش والجـدل بسلميـــة، فكـــل طـــرف لديـــه الصحافة، وحرية التجمعات والمسيرات، سلطة تشريعية منتخبة، حرية تشكيل مؤسساته المدنية من اتحادات ونقابات، حرية انتخاب عمله البلدي، هذه هي بيئـة وأدوات الحوار في الدول الديمقراطية بين القوى السياسية التي تختلف في رؤاها عن بعضها البعض تحفظ السلمية وتحفظ التنوع وتحوله لإثراء للعلاقات الإنسانية، وكنا نملك في البحرين جميع تلك الأدوات للتحاور وإدارة الاختلاف ضمن أطر سلمية مشروعة، لكن تلك المجموعة رمت بها عرض الحائط وخرجت للشارع وللخارج!
اليوم ونتيجة لأعمال العنف، ونتيجة تحالف أحد الأطراف مع دول أجنبية، أُكره شعب البحرين على التحاور بشكل وأدوات غير دستورية، أجبرته على تخطي وتجاوز كل ما كان متاحاً من مؤسسات دستورية وأدواتها، متجاوزاً إنجازاته على مدار السنوات العشر الأخيرة التي خطى بها إلى ربيعه بملء إرادته الحرة، قبــل أن تنزل على الوطن العربي براشوتات التبشير الديمقراطية الأمريكية، وفي نهاية المطاف أجبر تلك القوة إلى العودة إلى آلية التوافق مع شركائها في الوطن.
والدول الكبرى المؤثرة بدلاً من أن تشجع النموذج البحريني تشجيعاً ودعماً للنماذج الواعدة والفريدة من نوعها في إقليمها وفي منظومتها، حيث لا مثيل يقترب من النموذج البحريني في كل محيطها، قامت بإجبارها علــى التحــاور مــع الإرهاب، وإعادتنا إلى المربع رقم واحد أي إلى ماقبل الدستور والإصلاح السياسي.
نحـــن الآن فـــي المرحلـــة الأخيرة للإعصار جولة رابعة للحوار اقتنعت فيها الدول الكبرى وحتى إيران أن البحرين عصية على الاحتواء، وأنها ليست نظاماً سياسياً سنياً يشكل أقلية يحكم أغلبية شيعية فالشعب البحريني تركيبته أعقد من ذلك بكثير وأن الوفاق لا تمثل حتى الشيعة منهم، بل إن المجلس العلمائي الحاكم الفعلي للوفاق خاصة الأمانة العامة منه، والذي تم إبطاله لا يمثل الشيعة، والبحرين ليست مجرد عائلة حاكمة فحسب عليها الجلوس مع مجموعة من الخونة.
قناعة الدول الكبرى بتلك المعطيات مرحلة جديدة تختلف كثيراً عن 2011، مرحلة مؤثرة في الجولة الأخيرة من الحوار، فالدول التي لها ثقل مؤثر على مجموعة الوفاق تتعامل الآن مع هذه الجولة كصفحة أخيرة تريد طيها من الفصل الأول، وقد أبلغت المجموعة أن المشروع الذي عملت عليه لسنوات غير قابل للتنفيذ حالياً، المؤامرة فشلت والنظام لم ولن يسقط الآن كما أن الرسالة التي حملوها من جولتهم الأوربية مفادها (اذهبا فقاتلا في الحوار -و لا شيء غيرالحوار- إنا هاهنا قاعدون) هذه الرسائل وصلتهم حتى من «الظرفاء» الإيرانيين!! كما عادوا بنصيحة ثمينة بإلغاء ورقة الإرهاب ووقف العنف، فهذه الورقة أصبحت تشكل حرجاً حتى للدول المساندة لتلك المجموعة.
خلاصة مقال اليوم -وغداً نكمل- أن أحد معطيات الجولة الرابعة أن الوفاق تدخلها وهي تتجرع السم والعلقم بعد أن تحطم سقف غير واقعي على رأسها، تدخلها وهي تتعرض لأكبر حملة شتم وسب من فصيل تخلت عنه الوفاق بنصيحة أمريكية بريطانية، تدخلها بعد أن باعدت بينها وبين شركائها في الوطن بعد السماء عن الأرض بعد أن قارب العلم النيابي والبلدي بينهما، تدخلها وهي بين نارين .. نار تخلي شركائها عنها ونار الشك في صلاحياتها لإدارة الحوار من تيارها ...
وغداً نكمل.