كما قلت أمس.. فقد جاء إصلاح سوق العمل من أجل تحقيق هدفين رئيسيين: تطوير القطاع الخاص لجعله محركاً للنمو الاقتصادي في المملكة، ورفع كفاء العمال البحرينيين وتطوير مقدرتهم الإنتاجية وقدرتهم على المنافسة في سوق العمل لجعلهم الخيار الأفضل للتوظيف من قبل أصحاب العمل، وخلق فرص عمل جديدة ومناسبة لهم.
بالنسبة للهدف الأول، فمازال القطاع الخاص بعيداً عن أن يصبح محركاً للنمو الاقتصادي، وقيادة دفة الاقتصاد، فمقياس النمو الاقتصادي بالمملكة مازال هو القطاع النفظي من خلال ارتفاع أسعار النفط، وهو مقياس لا علاقة له بالتطورات الاقتصادية المحلية، في حين أن نمو القطاع غير النفظي مرتبط مباشرة بنشاط وإنتاجية القطاع الخاص، ومؤثر في النمو الاقتصادي وارتفاع الناتج الإجمالي.
بالنسبة للهدف الثاني تقول الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية (2009-2014): «تتطلع المملكة إلى الانتقال من نظام عمالة منخفض الاستثمارات عالي الحماية، إلى نظام منخفض الحماية عالي الاستثمار، يكافئ المؤهلات التعليمية والعمل الجاد والمخاطرة المدروسة.
وفي هذا الصدد تطمح البحرين إلى أن يصبح البحرينيون الباحثون عن الوظائف الخيار الأمثل للشركات ذات القيمة المضافة العالية، وأن يمثل القطاع الخاص المكان الأنسب والمفضل للبحرينيين ذوي الإنتاجية العالمية».
ولتحقيق هذه الأهداف تطرح الاستراتيجية الاقتصادية عدة مبادرات أهمها: «تقنين الدخول إلى سوق العمل، ستسعى الحكومة إلى تعزيز قدرة العمالة البحرينية في الحصول على الوظائف عبر تطبيق نظام يقوم على فرض رسوم على العمالة الأجنبية بالتزامن مع وضع سقف للعدد الإجمالي للعمالة الوافدة في السوق المحلية، وقد سبق أن وضعت الحكومة أسس هذا النظام ممهدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتفعيله عبر فرض رسوم حقيقية تقلص فجوة التكلفة بين العمالة البحرينية والعمالة الأجنبية، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع تنافسية الكوادر البحرينية في سوق العمل».
والخلاصة أو مقياس النجاح كما تسميه الاستراتيجية الاقتصادية هو «استقرار نسبة البطالة عن 4% بنهاية عام 2014»، على اعتبار أن بلوغ نسبة البطالة هذه يعني بالضرورة ارتفاع عدد البحرينيين الذين يدخلون سوق العمل، وبالتالي تقلص البطالة.
فإلى أي حد تحققت هذه الأهداف؟
على أرض الواقع نجد أن مجموع عدد العمالة البحرينية في 2009 كان 122 ألف عامل، ارتفع هذا العدد في نهاية 2013 الى 188724 عامل أغلبيتهم تقريباً- في القطاع العام، وبنسبة زيادة بلغت 55% تقريباً، في حين ارتفع عدد العمالة الأجنبية من 460 ألف في عام 2009 الى 515237 عامل في نهاية 2013 أي بزيادة 55237 عامل وبنسبة 12%. أما البطالة فقد ارتفعت هي الأخرى من 3.8% عام 2009 إلى 4.5% في نهاية ديسمبر 2013.
وهذه الأرقام تعني أن معدل الأجانب الذين يدخلون سوق العمل كل عام هو في حدود 11 ألف عامل كلهم تقريباً يذهبون إلى القطاع الخاص، وإلى الأعمال التي لا تتطلب مهارة وعلى الأخص قطاعات البناء والتجزئة والمقاولات، في حين أن معدل عدد البحرينيين الذين يدخلون سوق العمل خلال الفترة نفسها هو 13200 عامل يذهب أغلبهم الى القطاع العام.
كما تعني أيضاً أن هدف إصلاح سوق العمل، وهدف الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية في جعل البحريني منافساً للأجنبي في سوق العمل غير متحقق، وذلك لأن ذلك الهدف يراهن على أن البحريني الذي يدخل السوق هو الجامعي والمتعلم والمتدرب وبالتالي يشغل وظيفة دخلها مجز.
في حين أن القطاع الخاص وبالتالي سوق العمل يستقطب العمالة غير الماهرة والتي تقبل بأجور متدنية لا يوافق عليها البحريني ولا تعتبر جاذبة له، وأنه إذا ما رغب الخاص في توظيف عمالة ماهرة لأداء الأعمال المكتبية وأعمال المحاسبة والإشراف مثلاً، فانه يلجأ مرة أخرى إلى العمالة الأجنبية المتوفرة في السوق بخبرة أكثر وتدريب أفضل وأجور أدنى.
وكما إن هدف منافسة البحريني للأجنبي لم يتحقق، وهدف رفع تكلفة الأجنبي بما يؤدي إلى تفضيل صاحب العمل للبحريني عند التوظيف، هذا الهدف لم يتحقق أيضاً وذلك لتآكل الرسوم التي فرضها قانون إصلاح سوق العمل، وهيئة تنظيم سوق العمل على العمالة الأجنبية لكي ترفع تكلفتها بما تفوق تكلفة البحريني.
فهذه الرسوم شهدت عمليات تقليص مستمرة لها من قبل الحكومة، ثم عمل على تجميد ما بقي منها، الأمر الذي جعل ديوان الرقابة المالية يوجه الملاحظة التالية إلى هيئة سوق العمل في تقريره الأخير: «عدم تحصيل المبالغ المستحقة للهيئة على أصحاب العمل المتخلفين عن سداد الرسوم والتي بلغت قيمتها في نوفمبر 2012 مبلغ 7.4 مليون دينار».
وبناء عليه أعلنت «تمكين» أنها ستقلص برامجها للدعم والتدريب في عام 2014، وإذا ما تحقق هذا التوجه في الأيام القادمة فعلى إصلاح سوق العمل السلام.