رئيس ديوان الخدمة المدنية أصدر «تعليمات الخدمة المدنية رقم 3 لسنة 2014 بشأن ضوابط وشروط التعيين في الوظائف بالجهات الحكومية التي من شأنها وضع آلية موحدة لاختيار واستقطاب أنسب الكفاءات لشغل الوظائف الشاغرة بما يحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ويعزز الشفافية عند التعيين».
في البداية ظننت أن هذه التعليمات هي جديدة، وأنها خاصة فقط بالتعيينات خلال العام الحالي 2014، وقد جاءت كرد فعل للشكاوى الكثيرة التي تعالت خلال الأعوام القليلة الماضية حول التعيين بالواسطة ونتيجة للمحسوبية والعائلية، وبناء على تعليمات من مسؤولين كبار ومن وزراء لهم وزن خاص، وبناء على انتماءات لجمعيات سياسية إسلامية، وغيرها من الوسائل والأسباب التي لا علاقة لها «باستقطاب أنسب الكفاءات لشغل الوظائف الشاغرة».
غير أن تأكيد مدير إدارة السياسات وشؤون اللوائح بالديوان على أن «التعليمات تصدر تنفيذاً لقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية،حيث توضح ضوابط وشروط التعيين في كافة الوظائف في الجهات الحكومية بما في ذلك الجهات التي تنظم شؤون موظفيها لوائح خاصة..».
هذا التأكيد طمأننا على أن تعليمات رئيس الديوان مرجعيتها قانون الخدمة المدنية، وهو قانون قديم ولم يصدر عام 2014، وبأن تعليمات رئيس الديوان وتأكيدات مدير إدارة السياسات وشؤون اللوائح هي إما أن تكون لتذكير الوزراء والوزارات والهيئات الحكومية بهذه التعليمات واللوائح، والطلب منهم الالتزام بها، وتحذيرهم بأن هناك إجراءات قانونية ستتخذ ضد المخالفين لهذه التعليمات واللوائح.
أو أنه طفح الكيل لدى مجلس الوزراء وديوان الخدمة المدنية من التجاوزات الكثيرة والمستمرة لضوابط ولوائح قانون الخدمة المدنية، ومن قيام الوزارات والهيئات بتعيينات مباشرة لموظفين أخذاً باعتبارات المحسوبية والعائلية والطائفية والواسطة، وضرباً بعرض الحائط باعتبارات الكفاءة والخبرة والنزاهة والتخصص والمؤهل، ومن ثم الخضوع للإجراءات المطلوبة في التعيين.
وعندما يترك الحبل على الغارب للمسؤولين بالوزارات، وعندما يتحكم في التعيين قانون «حارة كل من إيده إله»، من الطبيعي أن تكون النتيجة وجود هذا العدد الكبير من الموظفين في القطاع العام، وعدد آخر كبير أيضاً من الموظفين في رواتب ومراكز عليا وصلوا إليها بالتعليمات والأوامر، وليس لأنهم الأكفأ والأفضل، أو أن هناك حاجة إلى هذه الوظائف والمراكز.
وهذه النتيجة أدت بدورها لواحدة أختها اسمها البطالة المقنعة، واسمها تدني الإنتاجية في القطاع العام إلى مستوى ساعة ونصف فقط من مجموع 7 ساعات يقضيها الموظف في عمله يومياً، وأيضاً إلى أن يصبح باب الرواتب والأجور في الميزانية العامة للدولة هو الأكبر بالنسبة للمصروفات المتكررة، والمصروفات العامة، ولأنه قابل للزيادة بصورة مضطردة وليس للنقصان غدا واحداً من أهم أسباب عجز الميزانية.
والسؤال الآن، الذي يأتي بعد الإشادة بتعليمات ولوائح ديوان وقانون الخدمة المدنية، هل سيقوم الديوان بتطبيق ما جاء فيها بأثر رجعي، ولا نذهب بعيداً بل ابتداء من عام 2011 فقط، ومن ثم يقوم الديوان بمراجعة قوائم الذين تم تعيينهم في الوزارات والهيئات، والتأكد من أن تلك التعيينات قد حدثت وفقاً للدستور ولقانون الخدمة المدنية، وأنه إذا اكتشف أن البعض تم تعيينه خلافاً للقانون واللوائح يطلب تصحيح وضعه بإعادة إخضاعه للوائح، ومحاسبة الجهة التي قامت بالتعيين، ومن ثم إعلان ذلك في تقرير شبيه بتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية.
والسؤال الثاني؛ ماذا بشأن تجاوزات الوزارات في التوظيف والتي أثارها مجلس النواب أكثر من مرة ومنها اتهام أحد النواب لإحدى الوزارات بهيمنة جمعية سياسية إسلامية على وزارته بعد أن امتلأت مكاتب وزارته بالموظفين من أعضاء الجمعية المذكورة.
والسؤال الثالث؛ ماذا بشأن الوزراء الذين عينوا الكثير من الموظفين بصورة مباشرة ليس لأن وزارتهم بحاجة إليهم، بل لأنهم يريدون بهذا التوظيف إرضاء النواب وتحاشي تهديدهم إياهم بالاستجواب.
الملفات كثيرة ومعروفة لدى الديوان.. لكن المهم نبشها.