بما أننا في موسم معرض البحرين الدولي للكتاب أحببت أن أستعرض اليوم كتاباً «لطيفاً» اطلعت عليه منذ مدة. الكتاب اسمه «كيف تقول لا» للدكتورة سوزان نيومان من منشورات مكتبة جرير. وهدف الكتاب حسب تفسير المؤلفة لا يبرر موقف الإنسان الأناني الذي يريد كل شيء لنفسه، بل هو يخاطب الذين لا يكفون عن قول نعم في مواقف لا تتطلب الإذعان.
فكرة الكتاب عميقة في أبعادها النفسية وبسيطة في منهجية الطرح والتفسير والمعالجة. ترى المؤلفة أننا نتورط في قول «نعم» وقبول طلبات الآخرين لأسباب كثيرة منها مجاملة الأصدقاء والأقرباء والتربية على المساعدة والتعاون والخوف على مشاعر الآخرين والحرص على محبتهم والرغبة في خدمة المجتمع، وأن علينا أن نتعلم أن نقول «لا» دون أن ننطقها. وأن ننتبه عند قبول أي عرض لأننا قد نتورط في قائمة طويلة من الـ«نعم» نرضي بها الآخرين ولكننا نجر على أنفسنا الألم والتعب ثم الغضب، إلى أن ينتهي بنا الأمر إلى التحول إلى شخصيات مستهلكة مستغلة لا نتمكن من عيش الحياة التي نريدها نحن.
والكاتبة تسرد لنا العديد من السيناريوهات للـ«تكنيكات» التي يتمكن بها الآخرون انتزاع موافقتنا وقول «نعم» لطلباتهم: فالشخص الذي يطلب منك شيئاً غالباً ما يلجأ إلى التعبير عن حاجته لمساعدتك فيستثير فيك إنسانيتك وعاطفتك وطبيعة تربيتك الخيرة، أو يبدأ بالثناء على قدراتك ومواهبك ويشرع في تملقك فتقع في فخ تقمص شخصية الخبير، وقد يكون طلب المساعدة مرتبطاً بشروط مسبقة حول طبيعة المساعدة فتتورط في مشكلات مع بعض الشخصيات الموسوسة، وأحياناً يضغط عليك صاحب الطلب بالحديث عن العلاقة الطيبة بينكما وعن التاريخ المشرق لكما، كي تطمئن إلى سلامة نيته وتستجيب له سريعاً.
وتركز أغلب نصائح د.سوزان للتخلص من هذه المواقف المحرجة بالتفكير جدياً في قول «لا» قبل قول «لا مشكلة.. سأفعل ذلك من أجلك أنت فقط»، لأن الذين يتطوعون لتنفيذ المهام وإرضاء الآخرين لا يرضون أنفسهم، وتوصي سوزان بتجنب الكذب عند قول «لا»، وألا تغلف «لا» بأعذار واهية، لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية، حيث ستشعر غالباً بالذنب لأنك كذبت ولن تحصل على الفائدة المرجوة من قول «لا» وهي الراحة النفسية، وتضيف الكاتبة أن علينا تجنب كثرة الأعذار والتبريرات، فكلمة «لا» كافية أما التفسيرات المطولة فقد تفتح الباب للجدل ومحاولات الإقناع، أو قد تسوغ لسوء الظن.
وتعترف المؤلفة أن قول «لا» ليس أمراً سهلاً، وأن ذلك يترتب عليه أحياناً، خسارة الأصدقاء أو بعض المكاسب، أو تأخر الوضع الوظيفي. ولكن علينا أن ندرك أننا ملزمون بمساعدة أفراد الأسرة حين يتعرضون لمكروه، وعلينا الوقوف بجانب الأصدقاء حين يكونون في مأزق، شريطة أن يكون ذلك أمراً طارئاً وليس سلوكاً ثابتاً يبتزنا به الآخرون. كما إن علينا أن نعرف من هم أصدقاؤنا الحقيقيون ومن هم الذين يحبوننا فعلاً ويريدوننا بجانبهم، وعلينا أن نكتشف، كذلك، الذين عرفوا عقدة «نعم» فينا وصاروا انتهازيين بحقنا.
وتختم د.سوزان بأنك حين تقول «لا» بثقة حين تريد أن تقولها وحين ينبغي لك أن تعلنها، فإنك ستحرر نفسك، وستشطب اسمك من قائمة المغفلين الذين يسهل خداعهم. ولكن عليك أن تتقبل فكرة أنك لا تستطيع كسب حب الجميع، وأن تعتاد على الإحساس بأنك كنت غير متعاون وغير متفهم. وترضى بشعورك أنك ربما تكون قد خذلت شخصاً ما، فالأهم من ذلك كله أنك لم تتحمل فوق طاقتك ولم تستنزف وقتك وجهدك في غير قناعاتك.