لــم يكن الانفصالي الجنوبي «جورج قرنــق» من يقف خلف تقسيم السودان قبل عقدين من الزمن، وكذلك اليوم، ليس مصطفى البارزاني هو من يدعو إلى تقسيم العراق عبر مشروع انفصال إقليم كردستان عن العراق، وإنما هؤلاء واجهات محلية لمشاريع دولية كبيرة تشهدها المنطقة العربية، فقرنق والبارزاني أصغر بكثير من أن ينتهجا فكرة التقسيم، دون علم الإدارة السياسية الغربية، وما «القرم» عنا ببعيد.
قبل أعوام قليلة خلت، انتهت الحرب في جنوب السودان وتم توقيع اتفاقية «نيفاشا» في عام 2005 في كينيا بين الجيش الشعبي في الجنوب والحكومة السودانية، كان من أهم وأخطر ما جاء في هذه الاتفاقية إجراء استفتاء شامل في جنوب السودان في 9 يناير 2011، من أجل أن يجيب الجنوبيون على السؤال التالي: هل يبقى السودان وطنـاً موحداً أم يعلن استقلال الجنوب في دولة مستقلة؟ فكان للغرب ما أراد.
من جهة أخرى، طالب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أن يقبل القادة العراقيون باقتسام السلطة مع الآخرين بحلول سبتمبر المقبل، وإلا فإن الأكراد سيلجؤون إلى الانفصال عن بغداد.
هناك حديث شبه مؤكد عن وجود مشروع لتقسيم ليبيا واليمن وبعض الدول العربية، ولأن التقسيم لا يمكن أن يحدث هكذا فجأة أو من دون مقدمات ذات حجج سياسية منطقية ومقنعة في ذات الوقت، يلجأ الغرب في الغالب إلى إشعال المناطق والدول المزمع تقسيمها إلى مناطق نفوذ أو مناطق تشهد صراعات دموية، تارة باسم الطوائف وتارة باسم العدالة والمساواة وحفظ حقوق الأقليات، كما لابد لإنجاح فكرة التقسيم، من أن يضع الغربي نفسه موقع المنقذ الذي دائماً ما نشاهده يخرج فجأة من رحم العدم، كما هو في أفلامه البوليسية الهوليودية، ليمارس دور المنقذ والشجاع.
إن فكرة التقسيم في غالب الأحيان، تحتاج إلى فترات زمنية طويلة، وهذا يتطلب من الغرب أن يدخلنا في دوامة عملاقة من الصراعـــات والانقسامات، التي تؤدي فـــي نهاية المطاف إلى إشعال الفتن والحروب القاسية، وإلى خلق عداوات بين الإخوة الأعداء.
قــد يتوهم البعض أن الدول التي عادة مـــا تكون عرضة للتقسيم والتفتيت، هي الدول التي لا تملك النفط، والتي ربما تملك إرثاً طويلاً من الصراعات والنزاعات، كما هو عليه بعض الدول الأفريقية الفقيرة، لكن فــي الواقع، تظل الدول العربية الغنية، هــي المشروع المستقبلي لعمليات التقسيم، لأنها أكثر إشباعاً لغريزة الغرب الجشع.
كل الخوف، أن الغرب شرق بالفعل في عملية تقسيم حوض الخليج العربي، ومن هنا هل يدرك أهل الخليج -شعوباً وأنظمة- أن هنالك أمراً ما يحاك ضدهم في الظلام؟ أم ما زالوا يعيشون القليل من الملهاة التي ربما تعصف بنا وبهذا الحوض، في أية لحظة يقررها الغرب، كما فعل في السودان ونحن نيام؟
باتت كل الاحتمالات والحسابات مفتوحة على مصراعيها، وما يجب علينا فعله اليوم، هو أن يتحد العرب ولو لمرة في تاريخهم الحديث، من أجل أن يحتفظوا ولو بنصف أوطانهم التي قررتها معاهدة «سايكس بيكو» الجائرة في زمن الأجداد، قبل أن تطير من أيديهم كما طارت بالأمس فلسطين.