رغم أن الخارجية الأمريكية تقول عن تقريرها المعني بـ«التحقيق في السفارة الأمريكية بالمنامة» بأن نشره من غير موافقة قد يعرض للمساءلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن نشره «جريمة»! رغم أنه مذيل بكل صفحة أن التقرير «حساس لكن غير سري»!! إلا أن فحوى التقرير كما بينا بالأمس نشرته صحيفة «واشنطن تايمز» وكان بطله المطلق السفير توماس كراجيسكي.
لربما الخارجية الأمريكية في طريقها الآن لمقاضاة الصحيفة الأمريكية والكاتب فيليب سوارتز، لكن كما يقال بأن «الضرر وقع»، والأمور نشرت وتم التطرق لها، وبنفسهم يدرك الأمريكان صعوبة «خنق» الإعلام، بالأخص إعلامهم الداخلي الذي تديره وتتحكم فيه أقطاب ذات نفوذ وقوة، والتي لو أرادت زعزعة عرش الرئيس الأمريكي من تحت أقدامه لفعلت ذلك وأعضاء مجالس إداراتها يشربون «الكابتشينو» في هاواي!
التقرير المكتوب في 48 صفحة يخلص إلى نتيجة واحدة مفادها بأن أداء السفارة الأمريكية في المنامة فيه كثير من القصور، وإذا لم نشأ تجميل الكلام فإن الوصف الصحيح هنا بالقول إن الأداء «غير مرض» البتة.
وحتى لا نقع في «جريمة» بنشر التقرير كاملاً هنا، رغم أن الأمريكان يحبون معرفة كل التفاصيل عن غيرهم، ولا يتورع إعلامهم عن نشره، ولا سياستهم ولا بيتهم الأبيض عن الإحاطة بكل شيء (طبعاً ضعوا زعلهم الشديد على جوليان أسانج و«ويكيليس» جانباً)، فإننا نقول هنا بأن التقرير تضمن -بعد التدقيق والتفتيش على عمل السفارة- طرح عديداً من التوصيات الواجب تحقيقها من قبل السفارة، توصيات رسمية يصل عددها إلى 57 توصية!
للتوضيح أكثر فإن هذا التقرير القائم على التدقيق والذي تم إجراء جزء منه في الولايات المتحدة «من 2 إلى 23 سبتمبر 2013» والجزء الأهم في السفارة بالمنامة «من 25 سبتمبر إلى 19 أكتوبر 2013»، يمكن تشبيهه بتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الذي يحصل في البحرين على قطاعات الدولة، وفيه يتم بيان الأخطاء والنواقص والسلبيات.
إلا أن التقرير ركز على أداء السفير نفسه ولم يتكلم بصيغة عامة، أي أنه ذكر السفير بشخصه، وبين عدة ملاحظات على أدائه منها التالي:
- السفير فشل «ذكرت كلمة فشل بالنص» في التخطيط ووضع استراتيجيات واضحة أدت لوجود خلل في التركيز على الأداء لدى بعض موظفي السفارة، وتسبب ذلك في وضع أهم الأهداف الأمريكية والمعنية بالاقتصاد والفعاليات الدعائية الاقتصادية على غير هامش الأولوية!
- تقصير السفير في التواصل مع عناصر مهمة في الحكومة، إضافة إلى الصورة الإعلامية الفقيرة «ذكر وصف «فقيرة» بالنص» مع التقصير في وضع استراتيجية مؤثرة تسببت في اختلافات ولغط لدى المسؤولين في واشنطن.
- السفير قصر في مهمته في الجانب الاقتصادي ولم يحاول أن ينشط في الأمور الاقتصادية، ولم يحاول تحقيق استفادة أكبر من اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع البحرين.
- السفير عانى من الانتقادات الإعلامية منذ وصوله البحرين، ومحاولته للوصول للإعلام والصحافة لم تنجح، الانتقادات تواصلت بقوة مما دفعته للتقليل من ظهوره الإعلامي.
هذه بعض الملاحظات وليست كلها، ومن يقرأ التقرير ينتهي بخلاصة واحدة لا غير، وهو أن أداء السفارة الأمريكية في البحرين وأداء سفيرها لا يحظى بالرضا التام من قبل واشنطن نفسها، وأن على السفارة والسفير بذل جهود كبيرة لتحسين العمل، والأهم التركيز على أهم الأولويات التي تسعى لها الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع الدول وهنا نتحدث عن الجانب الاقتصادي الذي أكد التقرير وجود خلل كبير فيه يتحمل السفير مسؤوليته.
الآن لنخاطب أصدقاءنا الأمريكان في واشنطن، ونقول أولاً بأننا نشكرهم على تقريرهم -بالأصح نتائج تحقيقهم ومراقبتهم- لأداء سفارتهم وسفيرهم، ونفيدهم علماً بأن حالة عدم الرضا لديهم يشاطرهم فيها كثير من شعب البحرين، خاصة من رأوا كيف يقوم سفيركم بدوره.
تريدون توضيحاً أكثر لما نقول هنا؟! طيب.
اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها واشنطن والمنامة وكان لها وقع كبير، حتى أن بعض الدول الخليجية تحسست منها قبل أن تهدأ الأمور كعادة أبناء الخليج الذين إن اختلفوا في وجهات النظر إلا أن ذلك لا ينسف روابطهم الأخوية القوية، هذه الاتفاقية لا يحس أحد بأنها ضمن أولويات سفيركم، بل يرون بأن أولوياته تتركز على دعم جمعيات معينة، كلها تمارس أسلوب التحريض ودعم الإرهاب في البحرين، ولها ارتباط واضح سواء عاطفي أو مباشر أو مبهم بالنظام الإيراني! هو -أي سفيركم- يزورهم في مقارهم، يجتمع في أوقاته الخاصة -كما أشار التقرير بشأن كيفية تمضية السفير لوقته- يجتمع معهم وهم يمتلكون أجندة سياسية واضحة لا تصنف إلا على أنها ضد مملكة البحرين. أي أن سفيركم لديه علاقات قوية مع مناهضين للبحرين وداعمين للعنف الحاصل فيها، في حين أنه لم يعزز علاقته مع مسؤولين رسميين في الدولة حفاظاً على مصالح واشنطن بالأخص في الجانب الاقتصادي، كما بين التقرير نفسه.
باختصار سفيركم يا أصدقاءنا في واشنطن «لاهي»، بعيد جداً عما تريدون، لا يرى ما ترون، ولا يفعل ما يخدم سياستكم، وكل ما يفعله يمكنكم أن تروا ردة الفعل الغاضبة إزاءه من قبل البحرينيين الذين يعتبرونه شخصاً ثقيلاً غير مرغوب فيه لأنه يتدخل في شؤون البحرين الداخلية بأسلوب عمل «سلبي» يتسق مع أسلوب عمل من يحرضون على العنف ضد رجال الأمن، ومن يتطاولون على قيادة البلاد، ومن يعملون بأسلوب طائفي واضح وصريح، ومن يدافعون عن ممارسي الإرهاب. بينما يا واشنطن من يهتف لسفيركم ويؤيده هم الذين يرفعون شعار «إسقاط النظام» أو من غيروا هذا الشعار إلى آخر كاذب «إصلاح النظام»، ونقول كاذب لأنه لم يطرح في الدوار ولم يكتب بشعارات، بل كان مكانه المشانق والمجسمات لقادة البلد، وسفيركم يجلس معهم ويزورهم بشكل دائم.
أما عن ضعفه في التواصل مع الإعلام، كما قال تقرير الخارجية، فإثباتاته كثيرة، أبسطها أنه لا يرد على أية تساؤلات توجه له -وإن كانت بأعلى مستويات اللباقة والأدب- بشأن سياسة بلاده، بل يتجاهل من يريد استيضاح موقف الولايات المتحدة الأمريكية، أنا شخصياً «كمثال» طرحت هنا تساؤلات عديدة في مقالات عديدة لكن لم يرد علينا بكلمة، لكنه قبل أن يظهر في تلفزيون البحرين مشاركاً في «برنامج طبخ»!! ويتفاعل في المقابل مع من يريد أن يقحم الولايات المتحدة إقحاماً واضحاً في شؤون البحرين، أي من يريد لواشنطن أن تتدخل في شؤون داخلية لبلد آخر، وهي المسألة التي لا تقبلها واشنطن أصلاً على نفسها.
سفيركم يا سادة يجلس مع قادة للتحريض والإرهاب، بينما أنتم في واشنطن يقول كل رئيس يجلس على كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الكلمة الشهيرة «أبداً الولايات المتحدة لا تتفاوض مع إرهابيين».
سفيركم في «دنياه لاهي».. والترجمة نتركها عليكم!