عندما حدث الحريق الأول في ما يسمى بالسوق الشعبي بمدينة عيسى تبين أن جميع الذين وقفوا في طابور لاستلام التعويضات عن محلاتهم المحترقة، جميع هؤلاء تقريباً هم غير بحرينيين، وقبل الحريق الأول، وبعد الحريق الثاني بقيت الصورة كما هي، معظم أصحاب المحلات هناك هم غير بحرينيين، وهو ما يعني أن هؤلاء استأجروا هذه المحلات بالباطن من متنفذين.
فما حدث في تلك الفترة التي أعلن فيها عن إنشاء هذا السوق على أرض مخصصة أصلاً لحديقة، أن اندفع الناس إلى المسؤولين في البلديات للحصول أو بالأحرى تأجير أكبر عدد من المحلات ودفع (القفلية) المطلوبة.
ويومها امتلأت الساحة الواسعة بعدد من المحلات العشوائية، بعضها خشبي، وبعضها نصف مبني بالطوب والإسمنت، وبعضها دكاكين صغيرة ومتراصة تفصل بينها ممرات ضيقة تدل على أن صاحبها قد قام بتقسيم الأرض التي حصل عليها إلى أقسام صغيرة بغرض الحصول على إيجارات أكثر.
الأدهى والأمر أن هذا السوق الذي يسمى بالسوق الشعبي تارة، وبالسوق الإيراني تارة أخرى هو ليس له علاقة بالشعبي، وإنما هو تشويه للصورة الشعبية البحرينية، وتشويه لسمعة البحرين وإظهار لها بالشكل المتخلف الذي عليه هذا السوق.
ويبدو أن إنشاء هذا السوق منذ البداية وبالشكل الذي جرى عليه، وبقاءه على مدى السنوات الماضية دون تطوير من حيث الشكل والمضمون، هو واحد من إخفاقات وزارة شؤون البلديات المعهودة، فهذه الوزارة هي المسؤولة عن تحويل أرض الحديقة إلى سوق، وإجازة إقامته بالصورة المشوهة التي قام على أساسها، وبنقل «سوق المقاصيص» من مكانه قرب السوق المركزي بالمنامة إلى هذا المكان بمدينة عيسى.
وإنه في الفترة القادمة يفترض أن يعطى إلى جهة أخرى أكثر كفاءة، وأكثر قدرة على تملك وإدارة مشروعات تجارية بكفاءة وأمانة، ومجمع سترة التجاري ليس بعيداً عنا، وهو مثل صارخ على سوء الإدارة التي تتحمل مسؤوليتها وزارة شؤون البلديات كما قال تقرير ديوان الرقابة المالية.
إن إنشاء الأسواق وتطويرها في أي بلد يعتبر من المشروعات التي تهدف في الأساس إلى توفير وظائف ومجالات دخل للمواطنين، ومن ثم إلى تنشيط الحركة التجارية في المنطقة التي ينشأ فيها السوق.
وبالتالي فإن تطوير سوق مدينة عيسى وإعادة ترتيبه من حيث البناء وما يباع فيه من بضائع وسلع، يجب أن يستفاد فيه من تجربة إعادة تطوير سوق المنامة أو سوق باب البحرين، وهو السوق الذي أثيرت ضجة كبيرة حوله، وصرف على تطويره بضعة ملايين من الدنانير واعتبرته الحكومة وغرفة التجارة إنجازاً كبيراً على صعيد تنشيط الحركة التجارية والسياحية في البلاد، وغفلوا عن أهم هدف يفترض تحقيقه من التطوير وإعادة افتتاح السوق وهو أن يستفيد التجار البحرينيون فقط من دكاكين هذا السوق، وأن يقوموا هم فقط بإدارتها والبيع فيها.
فسوق المنامة سواء منه الجزء الذي تم تطويره أو الذي لم يطور يستأجر ويبيع في دكاكينه تجار 98% منهم غير بحرينيين، ناهيك عن عدد العمالة السائبة منهم، والذين يمتلكون كمجموعات عدداً كبيراً من دكاكين السوق.
ومن هنا فإن اللجنة التنظيمية لتطوير السوق (الشعبي) بمدينة عيسى مطالبة أولاً بالتأكد من أن المستأجرين لمحلات السوق هم بحرينيون، وليس لهم أي عمل آخر غير التجارة أو البيع في هذه المحلات، وأنهم سوف يقومون بالبيع بأنفسهم، أما السماح لآخرين من الأجانب بالبيع بحجة أنهم تحت كفالتهم فهذا سيفتح ثغرة تؤدي إلى أن يتحول السوق مرة أخرى إلى سوق أجنبي كما كان في السابق، يقوم البحرينيون بتأجير محلاته بالباطن.
وهنا تأتي مسؤولية وزارة الصناعة والتجارة التي عليها أن تفتش على محلات السوق للتأكد أولاً من وجود سجلات تجارية، والتأكد ثانية من أن البحريني صاحب السجل هو الذي يقوم بإدارة محله التجاري.
فالبحرين تعاني اليوم من هيمنة الأجانب على الأسواق في كل المحافظات، ومن سيطرة العمالة السائبة بصورة محددة على هذه الأسواق، الأمر الذي يفترض من لجنة سوق مدينة عيسى الحد منه منذ البداية، ومن وزارة التجارة الحد منه في كافة الأسواق.