في زمن الغش، لا شيء من المواد الاستهلاكية ولا حتى الغذائية بات كما السابق، فكل شيء أصبح في عداد الأمور التجارية، ولا شيء بات مضمون الجودة عندنا.
بضائع أجنبية ومحلية لا تحمل للجودة أي عنوان، بضائع امتلأت بها أسواقنا التجارية ولا نعرف حقيقة كيف دخلت البلاد، ولا نعرف كيف تباع في الأسواق؟!
كثير من المواطنين والمقيمين أخبروني عن منازلهم وشققهم الجديدة، فهم يؤكدون لي أن كل المواد المستخدمة في بناء تلك المنازل، حتى وإن كانت تحمل ماركات ومواصفات عالية الجودة، إلا أنها تتلف وتعطب بعد أقل من عام من بداية سكناهم في منازلهم، فلا المكيفات ولا مضخات مياه الخزانات، ولا الأدوات الصحية والكهربائية والإلكترونية يمكن لها أن تقاوم في عملها لأكثر من عام بالتمام والكمال، مما يضطر المواطن والمقيم أن يقوم بتغيير غالبية ما استهلكه من تلك المواد والأجهزة خلال سكناه في عام واحد فقط!
يشترون بضائع وسيارات وموبايلات ومواد باهظة الثمن مع وجود ضمانات عليها، إلا أنه حين استرجاعها يظل التاجر يتحايل على مواد وبنود الضمان ليخرج المستهلك من «المولد بلا حمص»، لأنه متيقن أن هناك من «لحس مخه»، فلا القانون حينئذ ينجيه ولا حماية المستهلك ستحميه.
الغش تعدى السوق ليصل إلى مهن وخدمات أخرى، فالكثير من الأطباء والمستشفيات يتحايلون على المرضى من أجل الحصول على أكبر قدر من الأموال، وكذلك الحال بالنسبة للكثير من المحامين ومدربي السواقة ومن يعمل في مجال العقارات وبقية الخدمات الأخرى.
ليست المواد والأجهزة هي التجارية فقط، بل حتى الإنسان أصبح تجارياً، فتفكيره صار تجارياً وسلوكه أصبح تجارياً وأخلاقياته تجارية بحتة، فأينما وجد المال نجده قد مال.
مواد تجارية وخدمات تجارية، وحتى في السياسة، هنالك شخصيات سياسية تجارية، ونواب تجاريون.. وهكذا، فلا شيء من الموجودات المحيطة بنا تحمل طابع الأصالة والجودة.
إذا كانت التجارة الحرة العالمية تفتح السوق على مصراعيها فهي تعني القبول بكل ما في الأسواق العالمية من بضائع فاسدة ندخلها إلى أوطاننا بقوة القبول بالتوقيع على معاهدات دولية، تلزمنا بكل ما هو فاسد، سواء من قوانين أو بضائع أو تشريعات، مما يعني إضعاف أسواقنا المحلية وإغراقها بشتى الأشكال من المواد التجارية المزيفة وغير الأصلية، حتى وإن كانت تحمل علامات وماركات مسجلة وعالمية.
إن فتح أسواقنا لكل البضائع التي لا تحمل جودة عالية تعني قبولنا باستنزاف موارد الدولة وكذلك جيوب المواطنين والمقيمين معاً، والرابح الأكبر من هذه العملية هي مصانع الدول الصناعية الكبرى وتجارها.
إن رفع كل القيود عن كل أشكال وأنواع التجارة اليوم يعني أننا أمام سيل جارف من الغش والتدليس وتبييض الأموال، وهذا يعني أننا سنفقد كل ثقتنا التي أسسناها في وطننا حيال بضائع كانت تأتينا من دول صناعية مرموقة لنستبدلها ببضائع من دول مغمورة، ومع كل هذا فهي ليست بالمواد الرخيصة، بل هي مواد غير صالحة للاستخدام المنزلي ولا حتى للاستخدام الآدمي.
إننا اليوم بين نارين؛ إما قبولنا بكل ما جاء في قانون التجارة الحرة العالمية، فنقبل حينها بتدمير أسواقنا والإضرار بالمستهلكين، أو رفضها بالمطلق لنبقى بقية حياتنا نعيش في الظل، وكلا الخيارين مر.