لا نمانع من تطوير نظمنا وتطوير أجهزتنا وتطوير تشريعاتنا وتطوير مؤسساتنا الرسمية منها والأهلية وتدريب كوادرنا البشرية المعنية بمنظومة حقوق الإنسان، فمن ذا الذي يكره أن تصان حقوق الإنسان في وطنه؟ ويتحقق العدل وتتحقق المساواة، وأن تصان كرامة الإنسان، وأن يتمتع المواطن بحقوقه الدستورية، من يرفض تنمية المهارات والقدرات عند المعنيين والقائمين على إنفاذ القانون، كلنا حقوقيون في هذه الحالة إن كنا نتحدث عن المبادئ والقيم الإنسانية بالمطلق، وإن كنا نتحدث عن «المانيول» أو الكتب الإرشادية في ما يتعلق بحقوق الإنسان وتطبيقه وتنفيذه، إنما على من يقوم بهذه المهمة النبيلة من أشخاص أفاضل أن يحصروا مهامهم في عملية التدريب والتأهيل وصياغة البرامج، وعلى الدولة أن تحرص على إبقاء المهمة في هذه الحدود لفترة زمنية وتنتهي.
أما أن تتحول المهمة إلى توصيات تطال الأحكام القضائية وتعقد المؤتمرات لتقييم أداء السلطات فذلك تجاوز للمهمة، فما بالكم لو أقيم مكتب دائم لمحكمين دوليين دائمين لتقييم أداء السلطات المحلية؟
كلنا نعرف أن الدول والمجتمعات تفاوتت في تقديراتها في الحد الفاصل بين حق الفرد الدستوري وحقوق الجماعة، وحق الفرد الدستوري وحق الأمن الوطني، وكثير من الدول الديمقراطية لم توقع العهد الدولي وبعضها تحفظ على بعض بنودها واختلف على تفاسير بعض بنودها وجدل مستمر حولها، وفي هذا الاختلاف مناطق رمادية كبيرة سمحت بتفسير العمل الإرهابي إلى سلوك مشروع عند الجماعات وشرعنته، ومحاولة الانقلاب على الدستور بالقوة وبالإكراه وبالعنف وبالإرهاب عد حقاً بالتظاهر وسمي «ثورة» عندها، حتى محاكمة من استخدم الشارع للمسيرات الجماعية ولم يستخدم الرصيف أصبحت موضع خلاف يحدد على أثره محاكمة المتظاهر هل كانت بسبب مخالفته لقانون المسيرات أم لغرض قمعه ومنعه من التعبير؟ حسم الاختلاف في هذه المناطق الرمادية حق سيادي للدول تقرره السلطات وتحدده المجتمعات ويحكم فيه القضاء، ويترك للدولة حق واختصاص تقدير الظروف الاستثنائية وأحكامها، ولا تسمح أي دولة لأي جهة حتى وإن كانت تتمتع بصفة أممية أو دولية أن تقيم هي نيابة عن سلطات الدولة ماهية هذه الظروف واستثنائيتها ودستورية الأحكام من عدمها.
وتخيلوا لو أن البحرين قبلت أن يكون فيها مكتب «دولي» دائم نلجأ له لتفسير القوانين وتقرير ما إذا كانت دستورية أم لا؟ وتقرير ما إذا كان هذا السلوك قانونياً أم لا؟ وإذا ما كانت قوانيننا تتطابق مع العهود الدولية أم لا؟ وما إذا كانت أحكامنا القضائية تتفق مع ما أقره دستورنا أم لا؟ نحن نتحدث إذاً عن سلطة تشريعية وسلطة قضائية وسلطة رقابية رديفة لسلطاتنا المحلية، ثم ستكون لها بعد ذلك الكلمة العليا والفصل، وسيلجأ لها من يريد أن يخالف القانون المحلي إن أراد أن يضعه تحت حذائه!! نحن إذاً نتحدث عن معتمد دولي هذه المرة بدلاً من المعتمد البريطاني الذي كان يسمى الباليوز سابقاً، حين كانت تلجأ له بعض الفئات وتمسك بناصية العلم البريطاني كلما احتجت على حكم قضائي أو احتجت على سلوك لرجال الأمن.
فلا حاجة بعد ذلك لمحكمة دستورية ولا حاجة لقضاء ولا حاجة لسلطة تشريعية ولا حاجة لجهاز رقابي ورصدي، ولا حاجة لاستقلال، لتجلس «الدولة في البيت» فعندنا «الدولة الدولية» التي سعت لها «الجماعة» بقضها وقضيضها كي تكون مظلة دولية تضفي الشرعية على كل ما تقوم به من ممارسات، هذا خرق مهدد للسيادة الوطنية لا تسمح به أي دولة في العالم، وحجر ولبنة أساسية في «دولة الجماعة» التي تحتاجها كي تكون بديلاً عن السلطات الرسمية.
أضف لذلك فإننا مقبلون على اتحاد خليجي تتحد فيه سياستنا الخارجية وعلاقتنا الدولية وتتناسق، وللتو لمنا الشقيقة قطر على فتح فروع لمنظمات و مؤسسات تدخلت وأساءت لدولنا الخليجية فهل نكرر نحن نفس القصة؟
• الباليوز: صفة ولقب كان يطلق في الخليج على المعتمد السياسي البريطاني في تلك الفترة والذي يأتي في السلم الوظيفي السياسي البريطاني في المنطقة بعد المقيم السياسي البريطاني وهو من ينفذ السياسة الاستعمارية في الخليج في ظل منظومة الحماية البريطانية.