قبل سنوات، كان من الكبائر أن يخرج أحد ليهين القضاء، ومن الكبائر أن يخرج أحد ليتحدث باستهزاء عن القانون!
لكن اليوم وللأسف تتم إهانة القضاء والتشكيك في نزاهته، ويتم التطاول على القانون ويوضع تحت الأقدام (بحسب الوصف)، بل يتم الاستهزاء به عبر مزيد من الممارسات الخاطئة.
بل الأعظم أن عملية تطبيق القانون أصبحت مسألة تثير لغطاً، فحينما لا يطبق القانون يهيج الناس ويغضبون ويطالبون بتطبيقه، وحينما يتم تطبيقه يهيج آخرون ويطالبون بتعطيله. كل حسب قياسه وحسبما تحدده مصلحته.
أين الصواب وأين الخطأ؟!
سؤال بسيط غير معقد وإجابته أبسط؛ إذ الصواب يتمثل بتطبيق القانون ولا شيء آخر. الصح يكون بأن يمتثل الجميع لحكم القانون، بغض النظر عن الأشكال والألوان والحسب والنسب والمناصب، لكن السؤال الأصعب هنا؛ هل هذا يحصل؟!
طبعاً لا يحصل، ونجيب بكل قناعة، إذ حينما يطبق القانون بصرامة على ظواهر خاطئة ومجرمة، فإن المنطق يفرض بأنها لن يعاد استنساخها كتكرار يتم تبريره بحكم المثل السائد «من أمن العقوبة أساء الأدب». وحينما يطبق القانون على تجاوزات معنية بعمل القطاعات الحكومية وبالأخص مسائل الفساد الإداري والمالي، فالمنطق يفرض بأن نسبتها تقل لا أن تزيد بحسب ما يثبته الحجم المتضخم لتقارير الرقابة المالية.
ما يحصل اليوم، وهو امتداد لحالة استمرت لعدة سنوات وزادت مع الأزمة الأخيرة، ما هو إلا اتجاه في مسار خاطئ بشأن تطبيق القانون وفرضه كأساس لدولة مؤسساتية يتساوى فيها الجميع من ناحية الحقوق والواجبات.
ما يحصل هو إضعاف للقانون بعدم تطبيقه، تمييعه بطريقة تجعل أياً كان يستهزئ به ويجعله مادة للتندر. بالتالي أهذه دولة القانون؟!
لست أتحدث على الصعيد السياسي الذي ضج به الناس وباتوا ينفرون من شؤونهم سواء أكانت من جانب الدولة نفسها أو جانب أطراف الصراع السياسي، بل أتحدث عن مقومات مجتمع يفترض أنه الآن وبعد أكثر من 15 عاماً من إعلان مسيرة التطوير والإصلاح مازالت مقومات منقوصة، مازال المواطن يحس بأن معادلة الحقوق والواجبات مختلة، مازال يحس بأن الشعارات والوعود أكبر من الفعل الذي يتحقق على أرض الواقع.
القوانين وضعت لتنظيم المجتمعات، ولتضمـــن حقــوق الأفـراد، وباختلالها تختل حياة البشر ويتحول المجتمع إلى فوضى لا تحكمه أعراف.
في البحرين لدينا دستور، لدينا قوانين، لدينا لوائح، لو طبق أغلب ما فيها لما كان الوضع على ما عليه الآن. لما كانت لغة التحريض سائدة، ولما كانت أفعال الإرهاب ممارسة، ولما كانت الأخطاء في العمل المؤسساتي والرسمي قائمة ومتزايدة.
والله حتى القانون نفسه يعاني، حتى القانــون نفسه لم يسلم!
اتجاه معاكس..
تحدثنا قبل أيام عن المرور وازدحام الشوارع وكيف يمكن الحد منها ومحاربة الظواهر الخاطئة وتصرفات بعض السائقين «قليلي الذوق والأدب»، وأيضاً أشرنا لدور ومسؤولية إدارة المرور.
لكن نقطة هامة تثار هنا أيضاً، إذ بالأمس وحوالي الخامسة مساء، تتكدس السيارات في طابور طويل على الكوبري الذي يعتلي الطريق المؤدي لجسر الملك فهد، ويطول الانتظار لفترة مزعجة، وتلحظ في الجانب الأيسر، ونعني الاتجاه المؤدي للدخول إلى الشارع القادم من الجسر من مسار السعودية، تلحظ سيارة مرور تغلق الطريق والسيارات في طابور طويل.
أخذني الفضول لأعرف ما السبب، فلا أثر لحادث ولا شيء آخر، وإذ بعد فترة من التعطل ألحظ موكباً قادماً من ناحية الجسر.
فكرت حينها وهاأنذا أشارككم الفكرة مع كل الاحترام لمن كان في الموكب، ما المشكلة يا جماعة المرور إن جعلتم المواكب تسير في الشوارع دون إغلاق أو تعطيل للناس؟! أقلها فرصة ليرى كبار المسؤولين «الفوضى» التي تحصل في الشوارع وعندها قد يبتسم الحظ ونحظى بتوجيهات للوزراء والمعنيين بتسهيل حياة الناس على هذا الصعيد.
أقول دائماً بأن بعض المسؤولين «موصلين غير جيدين» لحقيقة الواقع لكبار المسؤولين، وعليه ليست مشكلة للمواطن إن تعرف المسؤولون الكبار على واقع الحال وعايشوه على الهواء مباشرة، أقلها سيعرفون أن هناك من يركض لهم بمعلومات غير دقيقة.
الخلاصة، شوارعنا ترفع الضغط لوحدها، فما بالكم لو كان تعطيلها بفعل من يفترض أن يصحح وضعها؟!