تلقيت اتصالاً منه عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، كان يوم عمل عادي وسط الأسبوع، وإن لم أخطئ فقد كان ذلك الاتصال قبل شهر ونيف من اليوم.
الرجل قال لي: إن النهار انتصف وأنه حتى هذه الساعة لم يجن إلا ديناراً ونصف الدينار من عمله الحر..!
قلت له: هل يعقل أن هذا مدخولك منذ الصباح وإلى اللحظة؟
قال: بل إن هناك أياماً أصل إلى هذا الوقت ولم أجن أي مدخول.
صوت الرجل يظهر أنه من أهل البحرين الطيبين، نبرته فيها صدق ولم أشعر أنه يبالغ للحظة، بل إن صدقه لمسته في نبراته.
قال: أنا من قرائك يا هشام، وأتمنى أن تنقل مشكلة أصحاب مهنتي، فأنا رب أسرة ولدي أبناء بالمدارس والجامعات ولا أريد أن أشعر أني أقصر في حقهم، فهم لا يعلمون ماذا يجري لنا، ولا أريد أن أزيد همهم هماً.
هذا الرجل هو سائق أجرة بحريني (تاكسي)، انتصف عليه النهار ولم يجن مدخولاً سوى دينار ونصف، فكيف يذهب إلى بيته وليس معه ما يعطيه إلى أهله وأبنائه؟
يقول هذا الدينار والنصف هل أدفعه لبنزين السيارة، أم أشتري به كيلو فاكهة، وأغلب الأسعار تتراوح بين دينار وأكثر للكيلو الواحد.
والله أني شعرت بألمه، خاصة أنه قال نحن فئة لا أحد يعلم عن همومنا، نحن أصحاب التكاسي وسيارات النقل المشترك (البيك أب)..!
يقول وهو يلومني أنتم تكتبون عن قضايا كثيرة، ولم تقصروا، بل صوتكم بح في قضايا تهمنا جميعاً، لكن أملي أن تكتبوا عن أصحاب سائقي الأجرة والنقل المشترك، من الذي يهتم بهم، ومن الذي يجتمع بهم؟ أين هم رؤساء جمعيات النقل؟ هل هم يتحدثون باسمنا ونحن لا نعلم؟
يقول الرجل لقد أوشكت مهنتنا على أن تكون من غير دخل، الآسيويون وغيرهم يقومون بتوصيل الناس من غير رخصة تكاسي ولا تأمين على الركاب، وأرقامهم موجودة في كل مكان، ويروجها الآسيويون في البرادات، وتجد أرقامهم لصقت في أوراق عند الخباز، ولا أحد يحرك ساكناً.
نحن في أزمة ومدخولاتنا تأثرت كثيراً، ولدينا أسر، بينما نعمل من غير تأمين لدى الضمان الاجتماعي، وهذا يعني أنه ليس لدينا راتب تقاعدي، ونحن معرضون للأمراض، وهذا يعني أن الذي يصبح طريح الفراش تفتقد أسرته مدخولها.
تساءل بمرارة الرجل أين إدارة المرور وهي تعلم عن الآسيويين الذين يمارسون مهنة التاكسي من غير رخص وأرقامهم لدى البرادات ومنتشرة في كل مكان؟ لماذا لا تتخذ إدارة المرور إجراءات تنقذ مستقبل مهنتنا؟ فنحن في وضع اقتصادي مأساوي.
أين وزارة المواصلات أليست هي معنية بنا، وهي وزارة مواصلات؟
هناك أيضاً جانب آخر من هموم هذه المهنة، وقد نقله الرجل الذي اتصل كونه سائق تاكسي، وأكد بعده بأيام مواطن بحريني في اتصال آخر، حين تطرقا إلى ما يحدث من قبل بعض أصحاب التكاسي الذين يقفون أمام أماكن مهمة وحساسة ويحتكون بالأجانب والزائرين، عند مطار البحرين، وعند فنادق العاصمة.
يقول الأخ إن لديه أصدقاء يسهر معهم في فنادق في منطقة الجفير، ومن ثم يخرج معهم لأخذ تاكسي يوصلهم، إلا أنهم ما إن يركبوا مع صاحب التاكسي حتى يقوم بعملية غسيل مخ باللغة الإنجليزية -وغالباً ما يكون السائقين في الأربعينيات ويتقنون الإنجليزية- للأجانب حين يتحدثون عن أحداث البحرين وأن الحكومة تقوم بكذا وكذا، وأن الناس هنا مظلومة، وأن فئة من الشعب هي المظلومة، وإلى آخر هذه المعزوفات.
يضيف الأخ أن من يراه يظن أنه من أصول أمريكية، كونه من أصحاب البشرة السمراء، وغالباً ما يبقى ساكتاً ويسمع، وأن هذا الموقف تكرر معه مراراً، ثم يقول إن من يتم اختيارهم للوقوف عند فنادق بعينها، يتم بعناية فهم يعرفون الفنادق التي يرتادها الأجانب، أو من يعمل بالقاعدة الأمريكية، بمعنى أن من يفعل ذلك يفعله بقصد ويستهدف أناس بعينهم.
وهذا ما يحدث أيضاً عند فنادق أخرى، وعند مطار البحرين البوابة الأولى للبحرين، فالأجنبي أو الخليجي أو العربي الزائر في الغالب ما يصادف أشخاصاً ما يقولون كلاماً مغلوطاً بحق الوطن، بل يمارسون الإرهاب بالمعلومات لإخافة الزائر وأن الأمان مفقود، وأن هناك فئة مظلومة، وهكذا.
كتبت عن المطار ذات مرة، لكن «عمك أصمخ» فمن يشوه صورة وطنه لا ينبغي أن يعطى مكاناً حساساً كمطار البحرين.. لكن شنقول بس..؟!
هذا جزء من هموم أصحاب مهنة سائقي الأجرة، مهنتهم تحتضر، ويعانون الأمرين من مزاحمة الآسيويين الذين يمارسون المهنة دون ترخيص ودون وجه حق، بينما القانون نائم، فكيف يعيل هؤلاء أسرهم؟
لماذا يبقون من غير ضمان اجتماعي، ومن غير رواتب تقاعدية؟
سمعنا عن تأسيس شركة تضم جميع سائقي الأجرة، لكن لا أعرف ماذا جرى، وهل هي الحل الناجع لهم؟
لا تتركوا أناساً تعيل أسرهم وهم يعانون الأمرين بسبب عدم الرقابة وتطبيق القانون، هذا خطر على المواطن، ولا يقبله قادة البحرين.
{{ article.visit_count }}
الرجل قال لي: إن النهار انتصف وأنه حتى هذه الساعة لم يجن إلا ديناراً ونصف الدينار من عمله الحر..!
قلت له: هل يعقل أن هذا مدخولك منذ الصباح وإلى اللحظة؟
قال: بل إن هناك أياماً أصل إلى هذا الوقت ولم أجن أي مدخول.
صوت الرجل يظهر أنه من أهل البحرين الطيبين، نبرته فيها صدق ولم أشعر أنه يبالغ للحظة، بل إن صدقه لمسته في نبراته.
قال: أنا من قرائك يا هشام، وأتمنى أن تنقل مشكلة أصحاب مهنتي، فأنا رب أسرة ولدي أبناء بالمدارس والجامعات ولا أريد أن أشعر أني أقصر في حقهم، فهم لا يعلمون ماذا يجري لنا، ولا أريد أن أزيد همهم هماً.
هذا الرجل هو سائق أجرة بحريني (تاكسي)، انتصف عليه النهار ولم يجن مدخولاً سوى دينار ونصف، فكيف يذهب إلى بيته وليس معه ما يعطيه إلى أهله وأبنائه؟
يقول هذا الدينار والنصف هل أدفعه لبنزين السيارة، أم أشتري به كيلو فاكهة، وأغلب الأسعار تتراوح بين دينار وأكثر للكيلو الواحد.
والله أني شعرت بألمه، خاصة أنه قال نحن فئة لا أحد يعلم عن همومنا، نحن أصحاب التكاسي وسيارات النقل المشترك (البيك أب)..!
يقول وهو يلومني أنتم تكتبون عن قضايا كثيرة، ولم تقصروا، بل صوتكم بح في قضايا تهمنا جميعاً، لكن أملي أن تكتبوا عن أصحاب سائقي الأجرة والنقل المشترك، من الذي يهتم بهم، ومن الذي يجتمع بهم؟ أين هم رؤساء جمعيات النقل؟ هل هم يتحدثون باسمنا ونحن لا نعلم؟
يقول الرجل لقد أوشكت مهنتنا على أن تكون من غير دخل، الآسيويون وغيرهم يقومون بتوصيل الناس من غير رخصة تكاسي ولا تأمين على الركاب، وأرقامهم موجودة في كل مكان، ويروجها الآسيويون في البرادات، وتجد أرقامهم لصقت في أوراق عند الخباز، ولا أحد يحرك ساكناً.
نحن في أزمة ومدخولاتنا تأثرت كثيراً، ولدينا أسر، بينما نعمل من غير تأمين لدى الضمان الاجتماعي، وهذا يعني أنه ليس لدينا راتب تقاعدي، ونحن معرضون للأمراض، وهذا يعني أن الذي يصبح طريح الفراش تفتقد أسرته مدخولها.
تساءل بمرارة الرجل أين إدارة المرور وهي تعلم عن الآسيويين الذين يمارسون مهنة التاكسي من غير رخص وأرقامهم لدى البرادات ومنتشرة في كل مكان؟ لماذا لا تتخذ إدارة المرور إجراءات تنقذ مستقبل مهنتنا؟ فنحن في وضع اقتصادي مأساوي.
أين وزارة المواصلات أليست هي معنية بنا، وهي وزارة مواصلات؟
هناك أيضاً جانب آخر من هموم هذه المهنة، وقد نقله الرجل الذي اتصل كونه سائق تاكسي، وأكد بعده بأيام مواطن بحريني في اتصال آخر، حين تطرقا إلى ما يحدث من قبل بعض أصحاب التكاسي الذين يقفون أمام أماكن مهمة وحساسة ويحتكون بالأجانب والزائرين، عند مطار البحرين، وعند فنادق العاصمة.
يقول الأخ إن لديه أصدقاء يسهر معهم في فنادق في منطقة الجفير، ومن ثم يخرج معهم لأخذ تاكسي يوصلهم، إلا أنهم ما إن يركبوا مع صاحب التاكسي حتى يقوم بعملية غسيل مخ باللغة الإنجليزية -وغالباً ما يكون السائقين في الأربعينيات ويتقنون الإنجليزية- للأجانب حين يتحدثون عن أحداث البحرين وأن الحكومة تقوم بكذا وكذا، وأن الناس هنا مظلومة، وأن فئة من الشعب هي المظلومة، وإلى آخر هذه المعزوفات.
يضيف الأخ أن من يراه يظن أنه من أصول أمريكية، كونه من أصحاب البشرة السمراء، وغالباً ما يبقى ساكتاً ويسمع، وأن هذا الموقف تكرر معه مراراً، ثم يقول إن من يتم اختيارهم للوقوف عند فنادق بعينها، يتم بعناية فهم يعرفون الفنادق التي يرتادها الأجانب، أو من يعمل بالقاعدة الأمريكية، بمعنى أن من يفعل ذلك يفعله بقصد ويستهدف أناس بعينهم.
وهذا ما يحدث أيضاً عند فنادق أخرى، وعند مطار البحرين البوابة الأولى للبحرين، فالأجنبي أو الخليجي أو العربي الزائر في الغالب ما يصادف أشخاصاً ما يقولون كلاماً مغلوطاً بحق الوطن، بل يمارسون الإرهاب بالمعلومات لإخافة الزائر وأن الأمان مفقود، وأن هناك فئة مظلومة، وهكذا.
كتبت عن المطار ذات مرة، لكن «عمك أصمخ» فمن يشوه صورة وطنه لا ينبغي أن يعطى مكاناً حساساً كمطار البحرين.. لكن شنقول بس..؟!
هذا جزء من هموم أصحاب مهنة سائقي الأجرة، مهنتهم تحتضر، ويعانون الأمرين من مزاحمة الآسيويين الذين يمارسون المهنة دون ترخيص ودون وجه حق، بينما القانون نائم، فكيف يعيل هؤلاء أسرهم؟
لماذا يبقون من غير ضمان اجتماعي، ومن غير رواتب تقاعدية؟
سمعنا عن تأسيس شركة تضم جميع سائقي الأجرة، لكن لا أعرف ماذا جرى، وهل هي الحل الناجع لهم؟
لا تتركوا أناساً تعيل أسرهم وهم يعانون الأمرين بسبب عدم الرقابة وتطبيق القانون، هذا خطر على المواطن، ولا يقبله قادة البحرين.