التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي هولاند عن فلسطين تنطبق في بعض وجوهها على البحرين. عن فلسطين قال إن عدم وضع الشروط يساهم في التوصل لاتفاق سلام، وأنه يجب على إسرائيل تقديم تنازلات بهدف التوصل لاتفاق على السلام، وأنه على الفلسطينيين تقديم تنازلات للتوصل إلى السلام المنشود.
هولاند وغيره يعرفون أنه لا يمكن التوصل إلى حل لمشكلة فلسطين من غير تحقق هذه الأمور، حيث الحوار الذي يسبقه شروط لا يمكن أن يتحقق، وحيث الحوار من دون تنازلات مؤلمة لا يفضي إلى أي نتيجة.
أما عن البحرين فيقول العقلاء والحكماء إن الابتعاد عن الشروط يسهل لقاء كل الأطراف ذات العلاقة، وأنه لا قيمة للشروط المسبقة لأننا في كل الأحوال نجلس في ضيافة بعضنا البعض. ويقولون إن على كل هذه الأطراف تقديم تنازلات مهما كانت صعبة كي لا يضيع الوطن وكي لا تزداد مشكلتنا تعقيداً فيصعب من ثم حلها، فالتنازل ذو القيمة اليوم ربما لا يكون له قيمة غداً.
لا حل لمشكلتنا غير الحوار، ولا حوار من دون لقاء جاد وجدول أعمال وقرارات، ولا نتائج جيدة للحوار من دون تقديم تنازلات بعضها صعب وكبير وبعضها بمذاق السم، أما إصرار كل طرف على رأيه، والاستمرار في «الدلع السياسي» أو السماح للآخرين بالتدخل فيه بطريقة أو بأخرى فنتيجته المنطقية زيادة معاناة هذا الشعب، وهذا الوطن الذي لا يستحق كل هذا الذي جرى عليه. ولأنه لا يوجد طريق آخر غير الحوار لذا صار لا بد من الدخول فيه بشكل مختلف عن الدخول السابق والذي تعلق مرات ويكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
الأسبوع الماضي تبادل المواطنون «واتسبات» تتضمن أقاويل عن شيء ما يطبخ في قدور السياسيين، وتحدثوا عن استفتاء منتظر وعن تفاهمات تبشر بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها وعن مشاركة الجميع فيها. البعض قال إن ما يتم تداوله حقيقي ومن مصادر موثوقة، والبعض الآخر قال إنه يدخل في باب الأمنيات والرغبة في التوصل إلى حيث المخرج من هذه الأزمة، بينما رأى بعض ثالث أن المراد منه شغل العامة عن أمور أخرى لم يذكروها أو أن ما انتشر عبارة عن بالون اختبار.
انتشار مثل هذه الأحاديث يعبر بصورة أو بأخرى عن أن الجميع يتمنى التوصل إلى حل نهائي ليعيشوا حياتهم ويتفرغوا للبناء وللمستقبل، ما يعني أن على السياسيين أن يفعلوا شيئاً ويضعوا جانباً مواقفهم المتصلبة ويبدأوا في اللقاء والحوار وتقديم التنازلات مهما كانت مؤلمة، وأن يعلموا قبل ذلك أنه لا مفر من الحوار وأنه لا مخرج آخر لما نحن فيه غيره.
ما لا ينتبه إليه البعض الذي لا يتردد عن الانسحاب المؤقت من الحوار وتعليقه هو أن المواطنين تعبوا وملوا من الحالة التي صاروا فيها، وأن كل يوم يضيع من دون أن يتوصل إلى تفاهمات بين الأطراف ذات العلاقة يزيد من تعقيدات الوضع ويزيد من معاناة المواطنين ويزيد بالطبع من تأثيره السالب على الاقتصاد.
من هنا صار لا بد من النظر إلى موضوع الحوار بجدية أكبر والابتعاد عن المسائل الصغيرة التي لا يشكل ضمانها مكسباً ذا بال ويكاد يدخل في باب «التفريحة»، والعمل بدلاً عن ذلك على توسيع المساحة التي يلتقي فيها كل المتحاورين كي يتركز الحوار على أمور محددة، وكي لا يحدث التشتت الذي يحرف الحوار عن طريقه.
ما قد لا ينتبه إليه المعنيون بالحوار أيضاً هو أن المشتركات بين الأطراف ذات العلاقة كثيرة وأنه يمكن الانطلاق منها وزيادتها بالتأكيد عليها وباعتماد المبادئ المتمثلة في الابتعاد عن الشروط وتقديم التنازلات مهما كانت صعبة.