في الغرب حينما يخرج الشخص على المعاش -أي يتقاعد- تبدأ حياته التي فيها يرتاح من سنوات طويلة من العمل، تجده يسافر هنا وهناك بتحويشة العمر التي جمعها، أو ينخرط في فعاليات مجتمعية خدمية، أو يهنأ مع أبنائـــه وأحفـــاده، يمـــارس الصيد وزراعة الورود والشتلات، باختصار شديد، هنـا تبدأ حياته التي يرتاح ويستمتع فيها، يعيشها كل يوم باعتبار أن القادم من السنوات أجمل، بلا عناء عمل وتعب والتحول لترس في آلة تدور.
لكن في مجتمعاتنا ولنتحدث عن البحرين، فإن خروج المواطن على المعاش ينظر له على أنه خطوة باتجاه القبر (نسأل للمتقاعدين طول العمر)، للأسف حتى لفظة «متقاعد» تنطق «مت قاعد» باستقصاد المعنى.
للأسف، هذا التصور منتشر لدرجة أن هناك بعض حالات لأشخاص كان يضرب بهم المثل في الانغماس الدائم في العمل واعتباره جزءاً منهم، حينما تقاعدوا فإنهم لم يعمروا في الدنيا لسنوات طويلة.
عموماً، ليس الحديث هنا عن الموت، وليس الحديث هنا عن التقاعد، وليس الحديث عما يفعله المتقاعد بعد التقاعد، لكنني أوردت المقدمة فقط لأبين بأن نهاية حياة الإنسان وأعني هنا طموحاته وتطلعاته ليست مرتبطة بكونه عاملاً أو متقاعداً، وأن المواطن سواء كبيراً في السن عاملاً أو متقاعداً هناك واجب على الدولة أن تؤديه له من خلال الخدمات التي تقدمها.
هنا بيت القصيد فيما أقوله، الدولة تقدم خدمات لمواطنيها، سواء على صعيد المساعدات الاجتماعية أو الإسكان أو غيرها، لكن دائماً ما يكون المستفيد الأقل هم المتقدمون في السن أو المتقاعدون.
تذكرون كيف تكون فرحة المتقاعدين حينما يكون هناك إعلان عن زيادة تشملهم؟! رغم أنها زيادة صغيرة لكنها مؤثرة لديهم «معنوياً» لا مادياً فقط، باعتبار أن الدولة تتذكرهم وأنهم غير منسيين.
هنا سأطرح مسألة وصلتني عبر عدد من كبار السن في البحرين، بعضهم مازال يعمل وبعضهم متقاعد، والمسألة معنية بإجراءات تتم بواقع قرارات وأنظمة معنية ببعض الوزارات الخدمية بحيث يكون من تجاوز الستين عاماً مثلاً غير مستحق للخدمات التي تقدمها الدولة، ومن هو في حكم المتقاعد يكون خارجاً عن الحسبة.
مثلاً هنا، وأنقله على لسان مواطن بشأن «قروض الترميم» للمواطنين، والتي تمنحها وزارة الإسكان بواقع 20 ألف دينار، لكن شريطة، وضعوا خطاً أحمر هنا، شريطة ألا يزيد عمر المقترض عن 60 عاماً، ما يعني أن هذا الإجراء يحرم شريحة كبيرة من المواطنين أعمارهم فوق الستين من هذه الخدمة التي يقدمها قطاع خدمي، رغم أنها ليست خدمة «مجانية»، إذ سيضطر المواطن لسدادها وبالضعف إن لم تكن أضعافاً.
هناك بعض كبار السن ممن تخطوا سن الستين أو هم في التقاعد بالتأكيد محتاجون لمساعدات للترميم بالأخص من تحولت بيوتهم إلى «برك»، وذلك بعد موجة الأمطار التي «بهدلت» معيشة الناس وأظهرت مدى سوء البنية التحتية وضعف التخطيط والجهوزية للكوارث.
هذه الشريحة الكبيرة من المواطنين أين تذهب لتسير أمورها المعيشية؟! لا البنوك تلتفت للمواطن إن لم تضمن بأنه قادر على السداد، أو أقلها بأنه «لن يموت» قبل تسديد القروض، والآن لا وزارة الإسكان تمنح خدمة لمن هو فوق الستين باعتبار واضح تماماً ولا يخفى على أحد، إذ كيف ومتى سيسدد القروض؟! وهو فوق الستين يعني هو أقرب للقبر ولم يتبقَ من العمر بقدر ما مضى!!
للأسف، لا يمكننا لوم البنوك إن كانت الدولة تنظر للمواطن بهذه الطريقة، أو أن تتعامل وفق آليات فيها «تمييز» واضح، فقط لأن بعض المسؤولين اقترحوها كحل لـ«توفير الأموال». يا جماعة ما المشكلة إن تحصل المواطن الذي تعدى الستين على قروض ترميم وبناء وحتى شراء؟! أليس مواطناً من حقه ذلك؟! أم أن المعيار هو تفضيل صغير السن حتى يعيد سداد القرض بأرباحه على مدى 25 سنة وبقسط يبلغ ربع الراتب؟! طيب إذا اختاره الله وتوفاه، لا أظن أن الدولة عاجزة أن تسقط بقية الدين عنه، أقلها إكراماً للميت! هناك شركات تسقط عنهم مديونيات، وهناك أناس ساهموا في العجز الاكتوراي، ومسؤولون أهدروا بلايين على مشاريع وخطط فاشلة وثقتها تقارير الرقابة المالية، فهل جاءت على المواطن المسكين؟!
هذه المسألة نثيرها هنا علها تجد انفراجة أو تصحيحاً لعمل قطاعات الدولة بحيث «يتساوى» لديها المواطن مهما بلغ سنه، ولا يكون التفضيل هنا على أساس من هو «الأبعد إلى القبر»، فالأعمار بيد الله.
أما أن نقول لمن تعدى الستين «مجازاً» بأنه «في الستين داهية» فليست البحرين التي تقول لأبنائها مثل هذا الكلام.