بينما كنتُ في إحدى عيادات الأسنان الخاصة أنتظر خروج زوجتي، وإذا بأحد المرضى ممن يبدو على ملامحهم سيماء الفقر، خرج من غرفة المعالجة متوجهاً لأمين الصندوق، طالباً منه معرفة كلفة العلاج الذي لم يستغرق أكثر من خمس دقائق، فأخبره الموظف أن كلفة العلاج الخاص به هو 50 ديناراً بحرينياً فقط. الرجل وقف متصلباً لفترة، فقيمة العلاج أذهلته كثيراً، لكنه في نهاية الأمر أخرج بطاقته المصرفية ليدفع المبلغ وهو مرغم.
إن العيادات الخاصة ليست عيادات تطوعية، كما إنها لا تحصل على دعم من أية جهة كانت، بل هي عيادات طبية، أنشأها أطباء بعرق جبينهم وبشهاداتهم ودراساتهم العليا، ومن يطالب هؤلاء الأطباء بمعالجة الناس بطريقة مجانية أو حتى بأخذهم مبالغ رمزية من مرضاهم، فهو «غلطان»، فالعيادات الخاصة ليست صندوقاً خيرياً يا جماعة الخير.
لكن، في ذات الوقت نقول إنه حين يأخذ الطبيب من المرضى مبالغ مرتفعة جداً وكبيرة، فهذا يُسمى طمع أو جشع، فالبحرينيون ليسوا كلهم أثرياء، وليسوا كلهم من الطبقة المخملية حتى يتعامل معهم أطباء العيادات الخاصة فيما يخص تكاليف العلاج، بذات النسق والكلفة التي يأخذون فيها تلك المبالغ الطائلة من الأثرياء والميسورين.
يجب على العيادات الخاصة أن تراعي الظروف المادية للناس في البحرين، وأن ترسم لها طريقاً واضحاً للأرباح المعقولة أو المتوسطة.
أما أن تكون غالبية العيادات عبارة عن آلة كبيرة لشفط جيوب الناس، وأن تكون أرباحها تفوق في كثير من الأحيان حتى أرباح بعض الشركات التجارية الخاصة، فهذا خارج نطاق الخدمات الإنسانية التي أقسم عليها الأطباء منذ اليوم الأول حين اختاروا الطب مهنة لهم.
هنالك فرق بين الطبيب والتاجر، فالأول مهنته إنسانية قبل أن تكون ربحية خالصة، أما الثاني فمهنته ربحية واضحة، لكن أن يتقمص الطبيب مهنة التاجر فتلك مصيبة، وهذا هو الحاصل عند الكثير من الأطباء في البحرين مع الأسف الشديد سواء كانوا بحرينيين أو أجانب.
أطباء، وبفضل عياداتهم الخاصة، بنوا لهم من أموال تلك العيادات ثروات وعمارات، وركبوا أفخر أنواع السيارات وعاشوا في أفخم أنواع المساكن، ولبسوا هم وصغارهم وزوجاتهم ما لم يلبسه الرئيس الأمريكي، والسبب يعود للمبالغ الخيالية والمُبالغ فيها التي يأخذونها من المرضى.
يقول أحد المواطنين: ذهبت يوماً لإحدى العيادات الخاصة بسبب آلام في البطن، وحين تمت معالجتي بالسيلان وبحقنة في الورك، سألتهم عن كلفة العلاج، فأخبروني أن الكلفة بلغت 100 دينار بحريني، حينها عادت إلي الآلام بطريقة تلقائية، بسبب المبلغ الذي أخذوه مني، ثم يضيف: لو صبرتُ على الألم، أفضل من أن أدفع مبلغ من المال يكفيني أنا وعيالي لأيام طويلة.
لا أعلم ما هو دور وزارة الصحة في هذا الأمر؟ ولا أعلم ما هو رأي جمعية الأطباء البحرينية في هذه القضية؟ لكن كل ما أعلمه هو، أن غالبية من يعمل في وزارة الصحة ممن يملكون قرار المراقبة، ومعهم غالبية أعضاء جمعية الأطباء، هم أطباء واستشاريون لديهم عيادات خاصة، ومن هنا وفي نهاية المطاف، سيكون حديثنا لا معنى له، ومن هنا كذلك نقول للفقراء من المرضى» الله يساعدكم ويشافيكم»، وإذا عرف سبب ارتفاع كلفة العلاج في العيادات الخاصة بطل العجب.