لاشك أن كثرة الأخبار المؤلمة التي نسمعها كل يوم في البلاد جميعاً من حروب ومجازر وتشرد ومجاعة وفساد متفش في كل مكان، إضافة إلى الكم الهائل من الالتزامات والضغوط التي تعترينا كل يوم؛ أفقدتنا بريق الحياة وسلبت منا معنى السعادة، وأبسط معاني السعادة في نظر أحد منا هو أن تكون في منزلك، تشاهد أحد برامجك التلفزيونية المفضلة وضوء خفيف ينير مسير من حولك ويأتي شخص ويقدم لك كوب القهوة المفضلة لديك، يقدمه وابتسامة جميلة ترسم محياه، وسعادته تكتمل عندما يرى ابتسامة عينيك.
لكن بعض الأشخاص قرر الاستعاضة عن الابتسامة الجميلة والكلمة الدافئة المقدمة مع فنجان القهوة الحار، حتى وإن كان من يد مدبرة المنزل، لأن بنظره ممكن لكلمة بالخطأ أو زلة لسان أن تفسد حياة بأكملها. وقرر أن ينتهج أسلوباً جديداً في تنفيذ أعمال المنزل الروتينية اليومية من خلال الاستعانة بالرجل الآلي (الروبوت)، من المؤكد أن هذا ليس في دولنا العربية.
نعم الروبوت، وإن بدا الأمر لي غريباً في البداية ولكن الأمر الأغرب هو أن يقذف هذا الروبوت نفسه في الهلاك ويدع النار تأكل أحشاءه ويتحول رماداً بعد أن رمى نفسه فوق موقد المطبخ بسبب الكم الهائل من التكليفات المنزلية التي أوكلها إليه صاحبه لتنفيذها.
سمعت هذه القصة في الإذاعة وقمت ونقلتها إلى أبنائي ولكن بطريقة أخرى، أن الروبوت قرر الرحيل عن أهل البيت لأن أطفالهم مشاغبون، والأعمال المنزلية كثيرة ولم يعد يطيق العيش معهم.
وما كنت لأعتقد بأن بعد مرور عشر دقائق سوف يأتي علي أبنائي «باتفاقية»، فقد جرت العادة بيني وبينهم أن نبرم اتفاقيات كاتفاقيات العرب، تضم ما هو مسموح وجائز، وما هو ممنوع وغير مرغوب به. ولكن سرعان ما ينتهي مفعولها بعد إبرامها مباشرة. ولكن هذه المرة الأمر مختلف، فأبنائي هم أصحاب الاتفاقية ومصرين على تنفيذها دون شروط أو قائمة من الطلبات مقابل تنفيذها، والتي تنص على الآتي: «ما عدنا نعذب مرة ثانية، وسوف نحكي بصوت منخفض، ونلعب مع بعض دون صوت مزعج، ونرتب أغراضنا، وندرس وغيرها من البنود التي يتعهدون بتنفيذها كل يوم وسرعان ما يبطلونها». نظرت إليهم نظرة تفاؤل مع ابتسامة عريضة وغمرتهم وقلت لهم: «ما شاء الله عليكم من أولاد، بس ما السبب وراء كل هذا التغيير والتأكيد على التنفيذ؟!»، سمعت من ولدي جواباً ساحقاً حقيقة وهو «أنا أخاف على مدبرة المنزل لدينا أن تضجر وترجع إلى بلدها كما فعل الروبوت!».
في المقابل أضحكني رد فعل صديقتي عندما قالت لزوجها: «تخيل حتى الرجل الآلي انتحر من أعمال البيت الروتينية فما بالنا نحن النسوة اللواتي نعمل أكثر من الروبوت داخل وخارج البيت». حقيقة لو فكرنا بكتابة ما نقوم به من أعمال أعتقد نحن بحاجة إلى دواوين. فعزائي لنا نحن السيدات أنه سوف يتم إنتاج سيدة آلية حينها يمكن أن يتم بالمفاضلة بين الاثنين.
كم عظيمة أنت يا سيدتي؛ فإن استطاعت سيدة آلية أن تقوم بأضعاف مضاعفة من مهامك اليومية، لكن لا أحد ممكن أن يستنسخ روحك المعطاءة وابتسامتك المتلألئة التي تسترين بها كافة همومك وأحزانك.