تابعت لقاء أجرته قناة القاهرة والناس يرد على تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي المقرب من دوائر وزارة الخارجية في واشنطن، تقرير كتبه أربعة من الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، عنوانه «مصر بعد الانتخابات» ملخصه التشكيك في جدية الانتخابات وجدية الإصلاحات وجدية حماية الحقوق الإنسانية ثم ينتهي التقرير بالتوصية بمنع المساعدات عن مصر حتى تلتزم بإدخال جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية من جديد وتنشيط الحوار معها... هي التوصية ذاتها فيما يتعلق في البحرين، تقارير تنشر لتشكل ضغطاً على النظام السياسي من أجل إعادة إدخال جماعتي المرشد (السنية والشيعية) في العملية السياسية وعدم إقصائها.
ما دار في الحوار الذي استغرق أكثر من ساعة يكاد يتطابق مع ما نقوله نحن في البحرين بالضبط، كنت أتابع الحوار وأنا أراجع المقالات التي كتبتها عن أحقية دولة كالولايات المتحدة الأمريكية بكتابة تقارير عن حقوق الإنسان في البحرين، عن ازدواجية المعايير حول الرؤية الأمريكية لصلاحية أجهزتها التنفيذية المطلقة حين يتعرض أمنها القومي للخطر والقيود التي تريد أن تضعها على الأجهزة التنفيذية في دول أخرى يتعرض أمنها القومي للخطر، عن الرقابة المدنية على الجيش، عن جديتها في محاكمة العسكريين، عن قياسها لشعبية الجماعات الدينية وتجاهلها لبقية القوى المدنية، عن الدعم المالي الكبير الذي منحته للجماعات الدينية المتشددة في برامج تمويل دعم الديمقراطية، عن حق الولايات المتحدة الأمريكية في فرض جماعة على الشعب المصري ورهن المساعدات التي تقدمها لمصر بإعادة الإخوان من الشباك بعد أن طردهم المصريون من الباب، بل وصل النقاش إلى كيفية محاسبة رئيس الجمهورية فيما لو رضخ للضغط وفرضهم على الشعب المصري!!
من الواضح أنه مازالت هناك دوائر خاصة في «الخارجية الأمريكية» مصرة على إتمام مشروعها الاستراتيجي للشرق الأوسط رغم الضربة القاصمة التي تلاقها هذا المشروع في مصر وظهرت ارتداداتها في ليبيا وتونس، وظهرت في البحرين شرقاً، و«مجلس العلاقات الخارجية» يقود الحملة الارتدادية الآن التي تحاول التمسك بأهداب المشروع الذي يهدف لتمكين الجماعات الدينية المتشددة السنية في شمال أفريقيا والجماعات الدينية المتشددة في شرق الجزيرة العربية، ويبدو أن شعور الهزيمة والخطر المشترك دفع بالجماعتين إلى عدم التحفظ في تأييد بعضهما البعض بعد أن ساد التحفظ طبيعة العلاقة السابقة بينهما وربما تكون مثل هذه التقارير محفزة لحشد الجهود وتضافرها معاً (انظر دفاع جريدة الوسط عن جماعة الإخوان في مصر) فالدوائر الأمريكية المكلفة بالمشروع هي واحدة هنا وهناك وفشل المشروع في شمال أفريقيا يهدد بفشله في شرق الجزيرة مما يستدعي توحيد الجهود بين الجماعتين.
(الحرب) التي تشنها هذه الدوائر الأمريكية ليست ضد أنظمة يراد إصلاحها أو إسقاطها، هذه الحرب تشنها هذه الدوائر على «التيارات المدنية» وهي ذاتها في مصر وفي البحرين بالتحالف الأمريكي مع الجماعتين الراديكاليتين في كلا الدولتين، وما لم يوحد التيار المدني جهوده محلياً وإقليمياً ويكرسها في عمل مشترك فإن إمكانية إقصائه واردة من جديد، خاصة أن هذا التيار على الرغم من كونه غالبية إلا أن حراكه كان ومازال مبعثراً ومتكلاً -إن صح التعبير- على النظم السياسية الحاكمة التي حافظت على مدنية الدولة حتى اللحظة وقاومت وبشدة تمكين الجماعات.
ثورة 30 يونيو في مصر واجتماع الفاتح في البحرين كانتا ثورة الغالبية المدنية الصامتة على ذلك التحالف الأمريكي مع جماعتي المرشد وأسقط المشروع، إنما أسقطه في جولة ولم ينهيه في معركة، وحين عادت تلك الجماعات تلملم جهودها وتجمعها، عادت تلك الغالبية لصمتها وعزلتها لتترك الأنظمة تقاوم الضغط الأمريكي وحدها من جديد، مع أن الخطر مازال في ذروته ويعد للجولة الثانية بتحالف الجماعتين هذه المرة.