الاعتصام -كما هو تعريفه- مظهر احتجاجي ضد سياسة ما عن طريق الاحتلال السلمي لمكان أو مقر يرمز إلى الجهة التي تمارس السياسة موضع الاحتجاج. وكثيراً ما تلجأ الجماعات المعتصمة إلى التقدم بمطالبها وشعاراتها لأجهزة الإعلام، وإشعار الرأي العام بأهدافها عن طريق الصحافة وأجهزة الإعلام.
الأربعاء الماضي قام عدد من البحرينيين ممن قرروا أن يوصلوا صوتهم إلى المسؤول بالوقوف خلف سور تم وضعه في مكان محدد أمام مبنى وزارة العمل، ورفعوا لافتات تعبر عن أحوالهم ومعاناتهم بشكل حضاري جميل. أمر دونما شك طيب ويستحق التقدير، فبهذه الطريقة الحضارية البسيطة أوصلوا رسالتهم واضحة إلى المعنيين بالدولة، والذين صار عليهم دراسة أحوالهم والنظر في كيفية مساعدتهم وتحقيق مطالبهم.
شخصياً ارتحت من هكذا مشهد، ووجدت أن من الواجب الإشادة به، فالاعتصام ممارسة يراد منها التعبير بطريقة حضارية عن مطالب محددة، وطالما أن أحداً من المعتصمين لم يتجاوز حدوده فيرفع شعارات بعيدة عن موضوع الاعتصام أو يتطاول فإن أحداً لا يستطيع أن ينتقد المعتصمين الذين يمارسون حقاً يكفله الدستور وينظمه القانون.
في الفترة التي شغلت فيها وظيفة إدارية بإحدى الوزارات، كانت تعليمات الوزير تقضي بتجهيز موقف السيارات المظلل للمعتصمين حماية لهم من الشمس أو المطر وبتوفير مياه الشرب. ممارسة تعبر عن احترام الدولة لمن يحاول أن يستفيد مما يتيحه له القانون دون أن يتجاوز ويؤذي الآخرين.
من هذا المنطلق أتمنى من وزارة العمل، التي من الطبيعي أن تشهد حالات اعتصام متكررة كونها الجهة المعنية بالتوظيف، ومن غيرها من الجهات التي يمكن أن تشهد حالات اعتصام بشكل متكرر، أن تخصص مكاناً مناسباً للمعتصمين ينعمون فيه بالظل ويتم توفير المياه الباردة لهم، وكذلك توفير آلية للاجتماع بممثلين عن المعتصمين وتسلم خطاباً بمطالبهم، ولعل من المناسب تكليف بعض شرطة المجتمع للتواجد في المكان بغرض التنظيم.
هذا وجه حضاري مهم يليق بالبحرين ويؤسس لممارسة مهمة ستوصل إلى قناعة بأهمية الحصول على إذن رسمي للاعتصام وتحديد زمن لبدايته ونهايته وتنظيم طريقة الدخول إلى مكانه والخروج منه بطريقة لا تعرقل حياة الآخرين ولا تتجاوز القانون.
الاعتصام الذي أخذته مثالاً واعتمدت على ما نشر عنه من صور لم يعجبني فيه أمران، الأول هو رفع بعض المعتصمين الخبز، والثاني حضور إحدى المعتصمات وهي تحمل رضيعها الذي من الواضح أنه لا يتعدى عمره بضعة شهور. أما رفع الخبز فأمر مبالغ فيه لسببين؛ الأول هو أنه ليس بيننا من يبات جائعا تحت أي ظرف من الظروف إلا بقراره (كأن يكون قد أخضع نفسه لبرنامج ريجيم) أو بقرار الطبيب لأسباب صحية، وبالتالي فإن رفع رغيف الخبز ليس مناسباً. والثاني هو أنه من غير المعقول أن يرفع الخبز من يتوفر فيه جيبه بدل الموبايل موبايلين من أحدث الأنواع ويحضر إلى موقع الاعتصام في سيارة لعلها تكون آخر موديل.
أما صورة المرأة التي حضرت وبيدها طفلها الرضيع فلم تعجبني لأن المراد منها هو الاستعطاف، وهذا أمر غير مناسب، وهو يشبه ذلك المستأجر الذي عندما طالبه صاحب الملك بدفع الإيجار المتأخر أرسل إليه صور أطفاله ليستعطفه، فما كان من الآخر إلا أن أرسل إليه صورة زوجته!
الاعتصام طريقة حضارية للتعبير عن مشكلة ومطالب محددة، وهو حق يكفله الدستور وينظمه القانون، يتم تنفيذه في وقت محدد وفي مكان محدد وترفع خلاله شعارات محددة، ويتوجب على الجهة المعنية النظر في مطالب المعتصمين والعمل على إيجاد الحلول المناسبة. ما يعني أن الأمر لا يستدعي الاستعطاف بمثل تلك الصور ولا المبالغة.