اتجهت في ذلك الصباح لإحدى المقاهي التي يستنطق تصميمها حضارات العرب وفنونهم العمرانية، ويستدعي مذاق الشاي العربي الذي يقدمه مجد الدولة الإسلامية والكرامة العربية، فطلبت من ذلك الشاي إبريقاً، خروجاً عن عادتي في احتساء القهوة الغربية.. ولعلي بذلك كنت عازمة - دون وعي- على إضفاء نكهتي الانتمائية على كل شيء. ومن هنا.. بدأت بقراءة أولى الصفحات من كتاب «العلمانية المؤمنة.. الفهم غير الأيديولوجي للإسلام» لمؤلفه سامر خير أحمد، والصادر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، في طبعته الأولى لعام 2013.
ورغم أن عنواناً كهذا مثير لغضب دعاة التطرف من الإسلاميين، إلاَّ أنه كان الأكثر حفاظاً على روح الدين وفلسفته من كثير من هؤلاء. فقد تناول الكتاب أهم العوامل التي تمخضت عن ظهور «العلمانية المؤمنة» كمسار مستقل عن «العلمانية الأوروبية» الناتجة عن تسلط رجال الدين المسيح في واحدة من أقسى المراحل التاريخية التي عاشتها أوروبا، ومستقل كذلك عن «الحاكمية» بما تقدمه من رجال لله في الأرض يبطشون باسم الدين ويحكمون في كثير من الأمور في ضوء قراءتهم الناقصة للدين الإسلامي الخاضع لأدلجتهم. فالعلمانية المؤمنة إنما جاءت نتيجة لحاجة عربية إسلامية في ظل ظروف لا صلة لها بالمسارين السابقين، بما يلبي تلك الحاجة ويؤكد على ضرورة نهضة إسلامية جديدة.
يؤكد المؤلف في كتابه «العلمانية المؤمنة» بضرورة تفعيل الإسلام في كلٍ من السياسة والمجتمع مع ضرورة استبعاد رجال الدين، بافتراض أن لا رجال دين في الإسلام الحقيقي، وما من وصي على الناس ليمارس وصايته عبر مواقع سياسية هامة وحساسة. إن الكاتب في الوقت الذي يدعو فيه باعتماد الإسلام مرجعاً، ويطالب باستعادة الفلسفة الحضارية الحقيقية للإسلام، يدعو كذلك لتخليص ذلك الدين الشامل مما ألصق به من ترهات.
ويبرر استبعاده لرجال الدين عن السلطة السياسية، بمنع ازدواجية السلطات الروحية والسياسية معاً، لكي لا يصبح الخنوع للقائد السياسي من منطلق خشية الوقوع في محظور شرعي لعدم جواز مخالفة ما يأمر به، فيقود ذلك لطغيانه واستبداده باسم الدين وتحت غطائه.ولعل من السهل على مجتمع مثل المجتمع البحريني فهم مبرر كهذا، في ظل سياق تاريخي وسياسي عايشه أبناء المجتمع وقدم لهم أمثلة بارزة للقادة السياسيين من رجال الدين ممن مارسوا سطوتهم في أزمة البحرين وانعكاساتها المتعاقبة.
تقوم الدعوة لـ«العلمانية المؤمنة» على أهمية استبعاد المفاهيم المتعالية على الواقع، ودفع المجتمع للانخراط في العملية التنموية النهضوية بما يتسق مع ثقافته واحتياجاته. كما تقوم بربط الأسباب بالمسببات، وإقامة دولة تحكم بالدستور والقانون، وتلتزم النظام العام. دولة تحترم ما في المجتمع من تعددية ثقافية ودينية، وفي نفس الوقت تحافظ على هويته العربية الإسلامية. مسار كهذا يقدم نموذجاً فريداً من نوعه لثنائية الدولة المدنية والمجتمع الديمقراطي.
وتحافظ الثنائية سابقة الذكر على الالتزامات الدينية التي سيحاسب عليها الأفراد يوم القيامة، كما تحفظ النظام المدني للدولة بما يتسق مع متطلبات العصر وإدارة المجتمع عملاً بالقانون. ولذلك فإن العلمانية المؤمنة تمثل رادعاً أخلاقياً للسلطة السياسية، الرافضة لتنميط البشر والمؤمنة بمبدأ الاختلاف كسمة طبيعية في الحياة.
لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان بمجرد طرق مفهوم العلمانية، نماذج مجحفة طبقتها دول عديدة أول ما تمثلت بنزع الحجاب ومحاربته، غير أن العلمانية المؤمنة التي تناولها المؤلف في كتابه لا ترفض الدين ولا تمنعه، ولا تأمر بنزع الحجاب وما شاكله، غير أنها لا تلزم بارتدائه أيضاً، عملاً بمبدأ التخيير الإلهي للفرد منا، وهو ما يحدد مسألة الثواب والعقاب في الآخرة، فالثواب والعقاب عند الله وحده، وليس من ولي لله في الأرض يتجول في الأسواق وأزقة الأحياء بالسياط لهداية الناس وتوجيههم عنوة.
إن فهمنا لمعطيات هذا الكتاب ستجعلنا أكثر فهماً -ربما- لواقع كثير من الدول العربية والخليجية تحديداً، وتحل لنا كثيراً من الإشكاليات الجدلية في مسألة الحكم بما أنزل الله في كتابه، وبين ما هو واقع في الدولة المدنية وما تقدمه من ممارسات أو مبادئ ينظر إليها مؤدلجو الدين ومتطرفوه بعين النقص والمساءلة.
وتأكيداً على ما سبق لعلي أستعين بخاتمة الكتاب، والتي أورد فيها المؤلف ما نصه: «.. وإذا كانت حرية الاختلاف تقتضي، أول ما تقتضي، تحرير الإسلام من رجال الدين، لأنهم يقدمون أفهامهم ورؤاهم باعتبارها هي الإسلام الحقيقي والنهائي، ويكفّرون أو يفسّقون أو يضلّلون كل من يرى غير ما يرون، فإن رؤية العلمانية المؤمنة للحياة تعمد إلى تجاوز رجال الدين هؤلاء، الأحياء منهم والأموات، والعودة مباشرة إلى كتاب الله وكأنه نزل اليوم، معتمدة في ذلك على قاعدة صلاحيته لكل زمان. وهذا يعني، أن رؤية العلمانية المؤمنة للحياة، تستند على فلسفة القرآن، لا على ما ورد له من تفاسير، سواء في التراث، أو لدى الماضويين أحياءً وأمواتاً».
ورغم أن عنواناً كهذا مثير لغضب دعاة التطرف من الإسلاميين، إلاَّ أنه كان الأكثر حفاظاً على روح الدين وفلسفته من كثير من هؤلاء. فقد تناول الكتاب أهم العوامل التي تمخضت عن ظهور «العلمانية المؤمنة» كمسار مستقل عن «العلمانية الأوروبية» الناتجة عن تسلط رجال الدين المسيح في واحدة من أقسى المراحل التاريخية التي عاشتها أوروبا، ومستقل كذلك عن «الحاكمية» بما تقدمه من رجال لله في الأرض يبطشون باسم الدين ويحكمون في كثير من الأمور في ضوء قراءتهم الناقصة للدين الإسلامي الخاضع لأدلجتهم. فالعلمانية المؤمنة إنما جاءت نتيجة لحاجة عربية إسلامية في ظل ظروف لا صلة لها بالمسارين السابقين، بما يلبي تلك الحاجة ويؤكد على ضرورة نهضة إسلامية جديدة.
يؤكد المؤلف في كتابه «العلمانية المؤمنة» بضرورة تفعيل الإسلام في كلٍ من السياسة والمجتمع مع ضرورة استبعاد رجال الدين، بافتراض أن لا رجال دين في الإسلام الحقيقي، وما من وصي على الناس ليمارس وصايته عبر مواقع سياسية هامة وحساسة. إن الكاتب في الوقت الذي يدعو فيه باعتماد الإسلام مرجعاً، ويطالب باستعادة الفلسفة الحضارية الحقيقية للإسلام، يدعو كذلك لتخليص ذلك الدين الشامل مما ألصق به من ترهات.
ويبرر استبعاده لرجال الدين عن السلطة السياسية، بمنع ازدواجية السلطات الروحية والسياسية معاً، لكي لا يصبح الخنوع للقائد السياسي من منطلق خشية الوقوع في محظور شرعي لعدم جواز مخالفة ما يأمر به، فيقود ذلك لطغيانه واستبداده باسم الدين وتحت غطائه.ولعل من السهل على مجتمع مثل المجتمع البحريني فهم مبرر كهذا، في ظل سياق تاريخي وسياسي عايشه أبناء المجتمع وقدم لهم أمثلة بارزة للقادة السياسيين من رجال الدين ممن مارسوا سطوتهم في أزمة البحرين وانعكاساتها المتعاقبة.
تقوم الدعوة لـ«العلمانية المؤمنة» على أهمية استبعاد المفاهيم المتعالية على الواقع، ودفع المجتمع للانخراط في العملية التنموية النهضوية بما يتسق مع ثقافته واحتياجاته. كما تقوم بربط الأسباب بالمسببات، وإقامة دولة تحكم بالدستور والقانون، وتلتزم النظام العام. دولة تحترم ما في المجتمع من تعددية ثقافية ودينية، وفي نفس الوقت تحافظ على هويته العربية الإسلامية. مسار كهذا يقدم نموذجاً فريداً من نوعه لثنائية الدولة المدنية والمجتمع الديمقراطي.
وتحافظ الثنائية سابقة الذكر على الالتزامات الدينية التي سيحاسب عليها الأفراد يوم القيامة، كما تحفظ النظام المدني للدولة بما يتسق مع متطلبات العصر وإدارة المجتمع عملاً بالقانون. ولذلك فإن العلمانية المؤمنة تمثل رادعاً أخلاقياً للسلطة السياسية، الرافضة لتنميط البشر والمؤمنة بمبدأ الاختلاف كسمة طبيعية في الحياة.
لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان بمجرد طرق مفهوم العلمانية، نماذج مجحفة طبقتها دول عديدة أول ما تمثلت بنزع الحجاب ومحاربته، غير أن العلمانية المؤمنة التي تناولها المؤلف في كتابه لا ترفض الدين ولا تمنعه، ولا تأمر بنزع الحجاب وما شاكله، غير أنها لا تلزم بارتدائه أيضاً، عملاً بمبدأ التخيير الإلهي للفرد منا، وهو ما يحدد مسألة الثواب والعقاب في الآخرة، فالثواب والعقاب عند الله وحده، وليس من ولي لله في الأرض يتجول في الأسواق وأزقة الأحياء بالسياط لهداية الناس وتوجيههم عنوة.
إن فهمنا لمعطيات هذا الكتاب ستجعلنا أكثر فهماً -ربما- لواقع كثير من الدول العربية والخليجية تحديداً، وتحل لنا كثيراً من الإشكاليات الجدلية في مسألة الحكم بما أنزل الله في كتابه، وبين ما هو واقع في الدولة المدنية وما تقدمه من ممارسات أو مبادئ ينظر إليها مؤدلجو الدين ومتطرفوه بعين النقص والمساءلة.
وتأكيداً على ما سبق لعلي أستعين بخاتمة الكتاب، والتي أورد فيها المؤلف ما نصه: «.. وإذا كانت حرية الاختلاف تقتضي، أول ما تقتضي، تحرير الإسلام من رجال الدين، لأنهم يقدمون أفهامهم ورؤاهم باعتبارها هي الإسلام الحقيقي والنهائي، ويكفّرون أو يفسّقون أو يضلّلون كل من يرى غير ما يرون، فإن رؤية العلمانية المؤمنة للحياة تعمد إلى تجاوز رجال الدين هؤلاء، الأحياء منهم والأموات، والعودة مباشرة إلى كتاب الله وكأنه نزل اليوم، معتمدة في ذلك على قاعدة صلاحيته لكل زمان. وهذا يعني، أن رؤية العلمانية المؤمنة للحياة، تستند على فلسفة القرآن، لا على ما ورد له من تفاسير، سواء في التراث، أو لدى الماضويين أحياءً وأمواتاً».