تحدثنا في المقالين السابقين عن الدور الأمريكي الغربي في مقابل الدور الروسي من الأزمة الأوكرانية، وكيف تسير الأمور بوتيرة متسارعة تجاه التأزيم الحاصل بفعل التجاذبات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية بين الغرب وموسكو، لكن ما عسى أن يكون دور العرب في هذه الأزمة؟ هل سيظلون كعادتهم منفعلين غير فاعلين؟ أم سيكون موقفهم مغايراً هذه المرة؟
ربما يكون من الصعب للعرب اليوم أن يفتحوا على أنفسهم ملفاً آخر معقداً يقع على بعد مسافة كبيرة من الأوسط كالملف الأوكراني، ولأن قضاياهم لا حدود لها، ستظل الأزمة الأوكرانية لا تعنيهم في الوقت الراهن على أقل تقدير، رغم يقينهم الشديد بأهمية تداعيات الملف الأوكراني عالمياً.
العرب مشغولون اليوم بأنفسهم كثيراً وأكثر من أي وقت مضى، فالأزمات السورية والليبية والتونسيــة والمصريــة واللبنانيـــة والعراقيـــة والسودانية والخليجية، إضافة إلى ملفات مجاورة ومتداخلة كالملف النووي الإيراني والملف التركي، وأخيراً التصعيد غير المبرر الذي تقوم به عصابات الصهيونية في فلسطين، لم تعطِ العرب متنفساً مريحاً من أجل الحديث عن أوكرانيا فضلاً عن اتخاذ الموقف الحقيقي من أزمتها التي يتقاسم صراعها كل من واشنطن وموسكو.
إن كانت هنالك من ردود أفعال عربية حيال الأزمة الأوكرانية الخطيرة، فهي لا تعدو كونها ردود أفعال تابعة، فسوريا أعلنت تأييدها المطلق للموقف الروسي من الأزمة، تماماً مثلما الموقف الإيراني، لأن الطرف الآخر من الأزمة، هي أمريكا، وبسبب الحساسيات المفرطة من الجانبين، كانت سوريا في الجانب الروسي.
بقية العرب، لم نشاهد أو نسمع منهم موقفاً واحداً ولو خجولاً من الأزمة الأوكرانية التي يمكن أن تكون شرارة الحرب الكونية الثالثة، كما أشرنا لذلك في مقالنا الأول حول هذا الموضوع، ونحن على يقين أن موقفهم سوف يكون في الجانب المريح لهم لو كان لهم موقف أصلاً.
لكن هذه المرة سيظل العرب في حيرة من أمرهم في اتخاذ الموقف الصريح من أوكرانيا، وذلك بسبب عدم ارتياحهم من روسيا في ما يخص الملف السوري، وعدم تقبلهم الدور الأمريكي والغربي في ما يخص الأزمات العربية الداخلية، خصوصاً دول الخليج العربي.
لم تعد موسكو مقبولة عند العرب سوى عند سوريا، أما أمريكا فإنها غير مقبولة عند الجميع، ولهذا فهي لم تعول على العرب في تضامنهم معها في الأزمة الأوكرانية، بل ذهبت إلى أوروبا لتسجيل أكثر من موقف يصب في صالحها.
لو تفاقمت الأزمة الأوكرانية أكثر مما هي عليه اليوم، فإن الحرب الثالثة لن تكون بعيدة، وسيظل العرب يدفعون فاتورة تشرذمهم وضعفهم وانشغالهم ببعضهم بعضاً.
وربما يدفعون فاتورة الحرب الكونية لو قامت، أوليس نحن من يملك النفط والثروات؟ أليس العرب «حاتميين» في عطائهم للأجنبي؟ أم سيتعلمون من أزماتهم الحاضرة أن يقفوا في الجانب الصحيح من التاريخ، كما أشار لذلك الرئيس الأمريكي في معرض حديثه عن الموقف الروسي من أوكرانيا؟ الأيام القادمة، ستكون كفيلة للإجابة عن كل هذه الأسئلة.