نشرت صحيفة «الأيام» خبراً غاية في الخطورة على المستوى الأمني، كان من المفروض أن يأخذ التعامل معه منحى جاداً من كل الأطراف، يتناسب وحجم هذا الاتهام الخطير، سواء كان هذا الطرف وسيلة إعلامية أو كان هذا الطرف هيئة حكومية أو كان هذا الطرف أجهزة الدولة الأمنية أو الحكومة بأسرها، لكن ذلك لم يتم، فتحول الأمر إلى عبث وفوضى ونزل مستوى الخلاف إلى أن وصل إلى تنابز بالألقاب وغابت الموضوعية وانتفى الإحساس بالمسؤولية!!
«الأيام» لمحت إلى نجاح «حزب الله» الإرهابي في اختراق هيئة شؤون الإعلام، أي الوصول إلى وزارة سيادية، بل إلى أستوديوهاتها، بما يعني الوصول إلى أجهزة بثها، وهو حزب كما نعرف جميعاً مدرج على قائمة الإرهاب في مملكة البحرين وتطبق على من يتعاون معه أشد أنواع العقوبات بنص القانون، نحن إذاً مع خبر تهتز له دول. اتهام خطير كهذا من المفترض أنه يحتاج إلى التوثق من جديته أو عدمها قبل نشره، بل نفاضل في التعامل معه بين نشره أو إبلاغ السلطات، ونوازن كثيراً بين المصالح هنا، فقد تقتضي المصلحة تتبع الثغرة التي نجح -إن صح الاتهام- من الولوج منها هذا العنصر، هل كانت هذه الثغرة ضالعة بدخوله؟ أم ثغرة إهمال وعدم فحص وتمحيص، وكلتا الحالتين تستلزمان المحاسبة، وهذا اختصاص للجهاز الأمني والحكومة.
كما إن اتهاماً بهذا الحجم، كان يتطلب أن يؤخذ بجدية من هيئة شؤون الإعلام تتقدم فيه بطلب إلى مجلس الوزراء لتشكيل لجنة تحقيق على مستوى يتجاوز الهيئة ويشرك فيه جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية، للنظر في صحته، فذلك اختراق أمني خطير للغاية.
بل إن هذا ما كان على الحكومة أن تتخذه من نفسها، فنحن لا نتحدث هنا عن خلافات شخصية بين مسؤولين، بل نحن نتحدث عن اختراق أمني سيادي في وزارة سيادية من قبل جماعة إرهابية، فمن الذي أوصلهم إلى هنا وفتح لهم الباب؟
فإن وصلت نتائج تحقيق اللجنة إلى صحة هذه الاتهامات فإنه في هذه الحالة هناك تبعات وأثر لهذه النتيجة تبدأ بالقبض أولاً على عنصر حزب الله الذي دخل الإعلام، وتصل إلى اتخاذ إجراءات تطال رأس الوزارة، وإجراءات بعضها أمني وبعضها إداري داخل الهيئة.
أما إن وصلت اللجنة إلى عدم صحة هذا الاتهام من الأساس، وأن ما نشرته الصحيفة لا أساس له من الصحة، فلابد أن يكون للدولة موقف، على الدولة بأجهزتها الرسمية أي بحكومتها أن تتخذ إجراءات حازمة ضد الصحيفة وضد وسائل التواصل الاجتماعي التي بثت هذه المعلومات باستهانة، فما تطاول الأمر إلى هذا الحد إلا لأن حالة من التسيب تفاقمت لكثرة وشدة الافتراءات والكذب ولتراخٍ قابلها من الأجهزة الرسمية.
كان على الدولة أن تنتهز هذه الفرصة كي تحدد موقفها القانوني من التعامل الإعلامي «بخفة» مع أخبار بهذه الخطورة إن ظهر عدم صحتها، أو التعامل القانوني مع حالة اختراق أمني كهذا إن ثبت صحته، حتى يكون موقفاً مبدئياً لا يخص هيئة شؤون الإعلام أو أي مؤسسة بذاتها، ولا يخص صحيفة الأيام أو أي صحيفة بذاتها أو أي حساب إلكتروني بذاته، كان فرصة كي نحدد موقف الدولة وسياستها المبدئية من تهديدات الأمن الوطني، ليتحمل كل طرف مسؤولية وتبعات جريمة نشر أخبار خطرة كهذه!
أين الدولة من هذا العبث، سواء كان العبث اختراقاً أمنياً أو كان العبث نشر أخبار كاذبة؟ الخلاف الذي يجري بين هيئة رسمية وصحيفة تجاوز فيها الأمر من مجرد اختلاف في وجهات النظر، تحول إلى اتهامات خطيرة لم تعالج بحزم وحسم من أي طرف، بل بالعكس تحولت إلى «هوشة» بين مسؤولين وصلت إلى حد التنابز بالألقاب، ووصلت إلى حد مسح التاريخ ونكران للجميل واستعراض للمرجلة في غير وقتها، بل بعد فوات أوانها! مع الأسف.. هذه الصورة من الفوضى هي بحد ذاتها تهديد وخطر على الأمن الوطني.
وسأختم بمثال بسيط، حين كنا صغاراً لم نكن نجرأ أنا وأخي على الشجار ووالدي في البيت، لأن «الراشدي» الذي كان سيأتي لن يكون لأحد منا دون آخر، بل سيكون لنا نحن الاثنان، فقد كان ذلك السلوك بالنسبة للوالد عدم تقدير له وعدم احترام لوجوده... رحمك الله يا بوعبدالله.