ماذا يحدث في سوق التأمين، وبالتحديد في فرع التأمين على السيارات، باعتباره الفرع الذي يهم الغالبية العظمى من سكان البحرين، فهناك من يقول «إن شركات التأمين المحلية رفعت أقساط تأمين السيارات بنسبة تتراوح بين 15%-20% جراء خسائرها من تداعيات المنافسة الشرسة التي طالت تأمين السيارات، وزيادة المطالبات من الحوادث المرورية».
في حين ينفي رئيس تنفيذي لشركة تأمين أخرى «وجود زيادة في أسعار تأمين السيارات» قائلاً إن «الأسعار لاتزال متدنية، أغلب الشركات تطرح عدة منتجات متفاوتة من حيث التغطية التأمينية ومبلغ التحمل، كل وفقاً لاشتراطاته، وأن متوسط الخسائر السنوية من تأمين السيارات يتراوح بين 75%-85%» .
القريبون من سوق التأمين على السيارات يرون أن مسألة زيادة أو ثبات أسعار التأمين على السيارات واردة، فمن ناحية فرض البنك المركزي على شركات التأمين نظام أسعار محددة بالنسبة لتأمين الطرف الثالث، وبالتالي لم يعد هناك حديث عن زيادة هذا النوع من التأمين. أما التأمين الشامل فترك المركزي الباب بالنسبة له مفتوحاً، أي تستطيع شركات التأمين طلب الأسعار التي تريد وفقاً للمنافسة التي باتت تشمل الأسعار وكذلك التغطية التأمينية ومبلغ التحمل وغيرها من المميزات.
ومن الطبيعي أن تحتد المنافسة بين الشركات في هذا النوع من التأمين، حيث عمدت بعض الشركات إلى تنزيل أسعار التأمين الشامل أو بالأحرى تكسيرها بشكل غير طبيعي، ولما حان موعد دفع الالتزامات المترتبة على التغطيات التأمينية حققت هذه الشركات خسائر كبيرة تضاهي مستوى تكسير الأسعار.
وكرد فعل تعويضي قامت هذه الشركات بإعادة رفع أسعارها في السنة التالية بصورة كبيرة وغير طبيعية تماماً كما فعلت عندما خفضت الأسعار، ففي المرة الأولى كسبت المنافسة، وفي المرة الثانية والثالثة خسرتها، وفي المرة الرابعة عادت هذه الشركات إلى الواقعية ورفعت أسعارها كما قالوا بين 15%-20%.
لكن هذا الارتفاع ليس بسبب المنافسة المحتدمة بين شركات التأمين التي زاد عددها كثيراً في سوق البحرين لتتنافس بصورة رئيسة على تأمين السيارات، ولكن هذا الارتفاع يعود لمنافسة أخرى محتدمة بين شركات التأمين من جهة ووكالات السيارات وأقسام بيع قطع الغيار لديها وكراجات التصليح من جهة ثانية، فالجهة الثانية ترفع أسعار قطع الغيار وكلفة الخدمة العمالية بشكل منتظم سنوياً، وهو الارتفاع الذي ينعكس سلباً وبصورة مباشرة على أقساط وكلفة التأمين، ويجعل شركات التأمين تبحث عن مكان تتصدى منه لهذه الزيادة ولا تجد غير أسعار التأمين على السيارات.
وإذا كان الهدف في كل الأحوال والأمكنة هو حماية المستهلك وتخفيف الأعباء عليه، سواء كانت أعباء تأمين أو أعباء كلفة شراء وتصليح سيارته، فإن على جميع الأطراف المعنية أن تتضافر جهودها، وأن تتعاون من أجل تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نقول إن تصحيح خطأ إلحاق قطاع التأمين بالبنك المركزي بعد أن كان لسنوات طويلة جزءاً من وزارة التجارة، تصحيح هذه الخطأ يتطلب من البنك العمل على إعداد مشروع قانون خاص بالتأمين يعالج متطلباته وأنواعه ومشكلاته، ولا يخلط بين أنظمة واشتراطات البنوك وشركات التأمين كما هو حادث في الوقت الحالي.
حماية المستهلك هنا تتطلب من وزارة الصناعة والتجارة أن تتحمل مسؤوليتها في ضبط أسعار السيارات وقطع غيارها، وهي الأسعار الأكثر ارتفاعاً بين دول الخليج، والتي يقوم الوكلاء بزيادتها بصورة سنوية وبالنسب التي يريدونها، دون تدخل من وزارة الصناعة والتجارة كما كان يحدث في السنوات السابقة عندما كانت الوزارة تحدد هامش ربح بنسبة 18% من كلفة وصول السيارة أو قطع الغيار إلى الميناء، في حين جعلت حرية السوق -كما تسميها الوزارة- تجعل الوكلاء في الخليج يشترون السيارات من وكلاء البحرين ويبيعونها في بلدانهم بأقل أسعارها من البحرين!
وبالنسبة لشركات التأمين فآخر إحصائية للبنك المركزي تقول «بلغ مجموع الأقساط المكتتبة في تأمين السيارات 62 مليون دينار في عام 2012 مقابل 55.63 مليون دينار في 2011 وبمعدل نمو يقارب 11% ليحتل الصدارة من حيث الأقساط المحققة وبنسبة 26% من إجمالي إقساط سوق التأمين للعام 2012».
وهذا يؤكد حقيقة مستمرة من سنوات مفادها أن تأمين السيارات هو محور عمل شركات التأمين، وأنه في زيادة مضطردة، وأنه في الحالات القليلة التي يخسر فيها تأمين السيارات تعوضه الشركات من أنواع تأمينية أخرى، لكنه يبقى الأساس الذي لا غنى لهذه الشركات عنه.