لم تكن مجزرة الديه المجزرة الأولى في تاريخ الإرهاب الذي عشعش وفرخ في البحرين. لكنها كانت الأقسى؛ إذ جاءت بعد شعور تراكمي بالمعاناة الطويلة من الأحداث الأمنية المزعجة، وجاءت بعد أن سقط عدد كبير من رجال الأمن شهداءً بالتفجيرات الغريبة عن البيئة البحرينية وعن مزاج أهل البحرين. عز علينا أن نرى صور القتلى تسيل دماؤهم على شوارع البحرين. عز علينا أن يعود رجال الأمن إلى بلدانهم في توابيت. هذه ليست البحرين التي عرفناها!!
العنف ظاهرة خطيرة، والدم لا يولّد إلا دماً، وحين تحلق غربان الخراب في سماء بلد فإن أهلها لا ينتظرون غير لبس الحداد. موسم الموت في البحرين طال... فإلى متى؟ هذا سوأل كل مواطن بحريني. وما هي الضريبة التي علينا أن ندفعها؟ هذا هاجسنا جميعاً... لقد قدمنا الثمن غالياً من دماء أبنائنا، وسددنا أرصدة باهظة من تراجع اقتصادنا وتدني مؤشرات التنمية في بلدنا. وبدأنا نخسر أخطر ما يمكن أن يخسره شعب... وحدتنا الوطنية. نعم أخطر ما يمكن أن نخسره هو وحدتنا الوطنية. فهناك من الديدان والعقارب من يقتات على قضم الأطراف ومص الدماء وتسميم العروق. ما الحل إذن؟
الحل الأمني لمشكلتنا في البحرين متعثر وقاصر ويعاني من الخلل الكبير، وربما من الاختراق!! كيف سافر ثلة من الإرهابيين إلى العراق وسوريا ولبنان وإيران وتدربوا على التفجير والتجييش والتحريض وعادوا ودبروا ونفذوا ونجوا في كل مرة؟ كيف يقبع في بلد صغير ومحدود السكان مجموعة من زعماء العصابة والإرهاب يخططون ويديرون شبكات إجرامية بكل حرية وراحة ورفاهية؟!! الحل الأمني غير مفعل كما يجب وكما ينبغي لبلد لا تحتمل مقتل قط، فضلاً عن بشر يتساقطون رجلاً تلو الآخر. ولكن الحل في حد ذاته أصبح ضرورة ملحة؛ فقد تعبنا... نعم لقد أرهقتنا أحداث التسعينات والأربعة عشر عاماً التي تلتها. نحن جيل بأكمله لا نعرف عن الحالة السياسية البحرينية غير الأحداث الأمنية المؤسفة، ولقد هرمنا وأوشكت زهور الأمل في غد هادئ أن تذبل في قلوبنا.
آن الأوان أن نغمض أعيننا وأن نتخيل أن عشرين مواطناً بحرينياً قتلوا في أحداث عنف أو تفجير أو اغتيالات. فاجتمعت عائلات وأصدقاء أولئك العشرين لتنتقم من أهل المناطق الساخنة وتثأر لقتلاها. ثم علينا أن نفتح أعيننا فزعاً من كابوس الحرب الأهلية، ونندفع سريعاً لإيجاد مخرج لجميع أزماتنا جملة واحدة، بحزم وحسم.
لو كان لقلوب البحرينيين المخلصة أن تنطق، لو تمكن كل مواطن شريف من التعبير عن مكنون أعماقه لقال لجميع اللاعبين السياسيين بصوت حزين يملؤه الألم وتخنقه غصة البكاء: أرجوكم لا تراهنوا على الوقت لإرهاقنا أكثر وإزهاق أحلامنا بوطن سعيد آمن أعمارنا تمضي وسترثنا أجيال أخرى على هذا الحال. لا نريد أن نُقتل أو يقتل من نحب في تفجير هنا أو هناك، لا نريد أن نكون الوجه القبيح الثالث للعراق ولبنان. فإلى متى؟ ومن المستفيد؟ وماذا تنتظرون؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.