يمنح الدستور البحريني للجماعات حرية تكوين جمعيات سياسية حيث نصت المادة 27 على التالي:
«حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام. ولا يجوز إجبار أحـد على الانضمـام إلى أي جمعيـة أو نقابة أو الاستمرار فيها».
وحدد قانون الجمعيات السياسية المخالفات الجسيمة التي تعطي وزير العدل الحق برفع دعوى للمطالبة بحل الجمعية السياسية في حال معارضة مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع شروط تأسيسها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
«قيام الجمعية على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو مهني، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
وقد افترض المشرع البحريني تمتع الراغبين من المواطنين بممارسة هذا الحق بالحس الوطني والتزامهم بروح وجوهر القانون الدستوري وقانون الجمعيات.
إنما واقع الحال يكشف غير ذلك، حيث إن أصغر طفل في البحرين يعرف أن هناك أكثر من جمعية ترتكب تلك المخالفة الجسيمة التي تحظر قيام جمعية سياسية على أسس طائفية دونما شعور بالذنب وتخرج لسانها للقائمين على إنفاذ القانون كونها تتحايل وتلتف عليه، مما منع وزير العدل من رفع دعوى للمحكمة للمطالبة بحلها، أو مطالبتها بتصحيح أوضاعها وتصحيح الجريمة التي ارتكبتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي أجازت ترخيص هذه الجمعيات من الأساس رغم مخالفتها الدستورية الجسيمة.
الحجة التي تدافع بها الوزارة أمام تهمة التقصير في القيام بواجبها هي أن «النظام الأساسي» لهذه الجمعيات الذي قدم مع طلب التأسيس لا يتضمن في نصه حصر عضوية الجمعية باتباع مذهب محدد، وعليه فليس هناك إثبات مادي أو مستند إدانة بأن هذه الجمعيات قائمة على أسس مذهبية طائفية. كما إنه ليس هناك ما يثبت أن أتباع هذه الجمعية هم من مذهب واحد فليس هناك تصنيف طائفي أو مذهبي في الأوراق الثبوتية للمواطن البحريني، في نهاية المطاف تعتبر هذه «الحيلة» السمجة هي الحبل الذي أنقذ -إن صح التعبير- الجمعيات السياسية الطائفية من الغرق أي الوقوع في خانة التجريم والحظر.
لن أجهد نفسي بمحاولة البحث عن حيثيات للحكم تقضي بإدانة القائمين على هذه الجمعيات لمخالفاتهم الجسيمة من منطلقات قانونية، بل سأجتهد في إثبات إدانتهم بالمخالفات «الدينية» الجسيمة والتي تقترب إلى ارتكاب المحرمات بعلمهم بهذه الحيلة التي يرتكبونها وتغاضيهم عنها مما يتنافى مع القيم والمبادئ الإسلامية.
إن المؤسسين والقائمين على الجمعيات السياسية ذات السمة الدينية الإسلامية تحديداً يعرفون تمام المعرفة أنهم يخالفون الدستور، كما إنهم يخالفون قانون الجمعيات، أي أنهم يعرفون أنهم يتحايلون كما تحايل أهل السبت على التحريم.
لعبة التحايل التي قام بها أهل السبت التي ورد ذكرها في القرآن، هي ذاتها التي يقوم بها القائمون والمؤسسون للجمعيات السياسية الطائفية، فأهل السبت هم أهل قرية يهودية حرم عليهم العمل ومنه «الصيد» يوم السبت، لكنهم تحايلوا على التحريم واستجابوا لإغواء الشيطان، فقد كانت الأسماك تأتي إلى شاطئهم يوم السبت على مرأى من أهل القرية، وهم عاجزون عن اصطيادها التزاماً بقانون التحريم، فما كان من أحدهم إلا أن احتال على التحريم والتف عليه، فقام بصيد السمكة يوم السبت لكنه لم يخرجها من البحر، فبعد أن صادها ربط ذيلها وأبقاها في البحر مقيدة، حتى إذا ما جاء يوم الأحد أخرجها، وضحك على نفسه، بأنه لم يخالف القانون لكنه تحايل عليه فقط، ثم تبعه آخرون وتحايلوا مثل تحايله، فمنهم من حفر خندقاً وجمع السمك يوم السبت وأغلقه بالليل حتى إذا ما جاء يوم الأحد أخرج ما بالخندق وادعى أنه صادهم يوم الأحد وليس السبت.
هذا النموذج من التحايل والضحك على النفس، يقوم به القائمون ومؤسسو الجمعيات السياسية الدينية حين يحصرون العضوية على لونهم الطائفي فلا سني ممكن أن ينضم إلى الوفاق ولا شيعي ممكن أن ينضم إلى المنبر والأصالة وهم يعرفون تمام المعرفة أن ذلك مخالف للدستور ومخالف للقانون، ويتحايلون بالاحتجاج بعدم تضمين نظامهم الأساسي هذا الشرط مكتوباً، هم صادوا السمك يوم التحريم ولكنهم لم يخرجوه من البحر، هم أسسوا جمعيات على أسس طائفية دونما أن تكون تلك المخالفة نصاً مكتوباً في نظامهم، هم «سبتوا»، هم هم السياسيون من أهل السبت، هم السبتيون الجدد.
بقي أن نقول إن الله سبحانه وتعالى عاقب أهل السبت بأن حولهم إلى قردة وخنازير كي يكونوا عبرة لمن لا يعتبر.