في يناير الماضي وافق مجلس النواب على إنشاء صندوق دعم الرواتب والمعاشات والأجور، وعلى قانون بإنشاء حساب دعم مستوى معيشة المواطنين العاملين في القطاع الخاص، ولكن الحكومة تحفظت على المشروعين معتبرة إياهما مطابقين لما ينفذ في الوقت الحاضر من قبل وزارة العمل التي تدعم رواتب البحرينيين العاملين في القطاع الخاص ويستلمون رواتب تقل عن 250 ديناراً.
لا أعرف تفاصيل المشروعين اللذين تقدم بهما النواب، ولكنني ومن خلال المناقشات فهمت أن المشروعين يهدفان إلى ردم الهوة بين الزيادة المضطردة في أسعار المستهلك بصفة عامة، وبالتالي تكاليف المعيشة من جانب والأجور والرواتب التي يتقاضاها العاملون من المواطنين، والعاملون في القطاع الخاص أساساً.
فمثل هذين الصندوقين أو المجلسين أو الهيئتين، لها أوضاع وتسميات كثيرة تختلف من دولة إلى أخرى، لكن المهم هو أن الهدف واحد وهو خلق نوع من المواكبة بين الأسعار والأجور تمكن المرء في نهاية المطاف من الحصول على الأجر أو الراتب الذي يفي بالتزاماته المعيشية، ويغطي تكاليفها الأساسية على الأقل.
مثل هذه الصناديق أو المجالس موجودة في الدول التي تنتج معظم احتياجاتها المعيشية والتي تحتويها عادة سلة المستهلك، وموجودة في الدول التي تنتج أكثر من ذلك وتلك التي تعتبر من الدول المصدرة الرئيسة في العالم، فما بالك بدولة مثل البحرين تستورد كل احتياجاتها المعيشية والاستهلاكية تقريباً من الخارج، فلا هي تتحكم في الأنواع ولا في الأسعار.
والدولة التي تستورد كل شيء أمامها حلان للتحكم في أسعار ما تستورد من سلع ومواد، إما أن تدعم أسعار كل ما تستورد وتلاحق زيادات أسعارها، وترصد لهذا الدعم أموالاً خيالية، وإما أن تعمل على الموازنة بين ارتفاع الأسعار في الخارج وما يدفع من أجور ورواتب في الداخل، ومن خلال تتبع ارتفاعات الأسعار وكفاية الأجور لمواجهتها.
وبما أن الحل الأول مستحيل، فإن الحل الثاني هو الأنسب والأكثر واقعية وإشاعة للعدالة الاجتماعية في الدول الديمقراطية، والتي تعتبر العدالة الاجتماعية ركناً أساسياً فيها، والقوى والنقابات العمالية ركناً أساسياً آخر، في هذه الدول يهتم الصندوق الأول المقترح بوضع حد أدنى للأجور على المستوى العام في الدولة، أي يشمل القطاعين العام والخاص، حيث يتم وضع حد أدنى للأجر اليومي والأسبوعي والشهري حسب دراسة تتناول ميزانية الأسرة ومتطلبات تكاليف المعيشة بما فيها السكن والمواصلات والغذاء والتعليم والصحة والترفيه وغيرها.
وبعد ذلك يتم إعادة تلك الدراسة وتحديثها سنوياً على الأكثر بناء على النتائج التي يتوصل إليها القائمون على الصندوق الآخر، وأعني به صندوق مؤشر المستهلك أو دعم مستوى المعيشة كما سماه النواب، فإذا ارتفع مؤشر المستهلك، أو ارتفع التضخم -حسب الجهاز المركزي للمعلومات عندنا- بنسبة 3.3% مثلاً فإن الحد الأدنى للأجور يرتفع بدوره وبذات النسبة، وإذا استقر المؤشر على حاله فالأجور تبقى مستقرة هي الأخرى.
مشكلتنا في البحرين أن الدولة مثلما تكره فرض الضرائب على ما فيها من فائدة لحل مشكلة العجز في الميزانية وتفاقم الدَّين العام، فهي تكره أيضاً وضع حد أدنى للأجور حتى لا تكون ملزمة بتعديل هذا الحد كلما ارتفع التضخم أو زاد مؤشر المستهلك، وإنها هروباً من هذا الالتزام المحقق للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وابتعاداً عن المعالجة الريعية، فإنها تلجأ بين فترات متباعدة إلى إعطاء زيادات محدودة لرواتب العاملين في القطاع العام والمتقاعدين.
ومن جانب آخر تقدم الدعم لعدد من السلع الغذائية والطاقة، حتى بات هذا الدعم عبئاً ثقيلاً على الميزانية العامة، والأكثر ثقلاً منه هو باب الرواتب والأجور في الميزانية العامة والذي تضخم بشكل مضطرد وكبير حتى أوشك في المستقبل المنظور أن يستهلك الإيرادات النفطية بأكملها.
إن غلاء الأسعار اليوم أصبح مشكلة كبيرة، تتفاقم يوماً بعد آخر، وبات يشمل كل شيء تقريباً ولا يقتصر فقط على المواد الغذائية، وإن الدعم الذي يقدم الآن رغم تخطيه للمليار و200 مليون دينار فهو لا يؤثر كثيراً في مشكلة ارتفاع الأسعار التي تخطت في تفاقمها الأجور المتدنية والتي يطمح وزير العمل في رفعها إلى 300 دينار، فغلاء الأسعار يدخل كل يوم مواطنين جدداً إلى قائمة الفقراء، وما أدراك بحال الفقير وبمعاناة الجائع وما يترتب عليها.