كما كان متوقعاً فقد جاءت قرارات قمة مجلس التعاون بالكويت (ومعها إعلان الكويت) بعيداً عن مواجهة الواقع، والتصدي للمتغيرات والاستحقاقات القومية والإقليمية، والاعتراف بالخلافات والإخفاقات، ومن ثم الهروب إلى الأمام.
فالقمة الخليجية انعقدت كما قيل وقيل عنها في أوضاع إقليمية وعالمية، بل ومحلية أيضاً دقيقة وحساسة وغير عادية، والجميع (الداخل والخارج) كان ينتظر منها اتخاذ قرارات حاسمة تجاه عدد من الملفات العالقة والمؤجلة، ناهيك عن أن شعوب دول المجلس كانت تنتظر من قادة دولها أن تتحول صوبها ولو مرة واحدة بعد 34 عاماً وأن تشعرها بوجودها وتشركها في اتخاذ القرار.
لكن قرارات القمة وإعلان الكويت عادت كدأبها كل عام إلى انتهاج أسلوب الترحيل إلى القمم القادمة وإلى الهروب بهذه الملفات المهمة إلى الأمام...
فالدعوة إلى تحول المجلس من التعاون إلى اتحاد ظهرت الى السطح قبل أربع سنوات، مع أنها موجودة في النظام الأساسي للمجلس منذ تأسيسه في عام 1981 ضمن الحديث عن التدرج وصولاً الى الوحدة بين دوله، ومع ذلك فالدعوة إليها في عام 2010 لم تلق ترحيباً جماعياً من الدول الست، وعملت القمم المتعاقبة على إحالتها لهيئات ولجان وتأجيل بحثها للمزيد من الدراسة دون جدوى.
وكل ذلك يحدث والقادة يدركون أن الأوضاع والعلاقات الإقليمية والدولية قد تغيرت، بل ان العلاقات بين دوله منفردة بعضها البعض، وبينها ومع الدول الاخرى في الاقليم والعالم قد تغيرت.
وهي متغيرات فرضها عدم معالجة مجلس التعاون المشكلات العالقة بين دوله، وفي الانفتاح نحو شعوب دوله ليكون لها رأي فيما يجري من تطورات ويتخذ من قرارات، وفي تحقيق التكامل الاقتصادي بين دوله، والمواطنة الخليجية التي تمنح المواطن أينما كان كافة الحقوق والواجبات.
فالاتحاد الأوربي حصن نفسه بالاقتصاد وتداخل المصالح الفارضة للتوحد، وحصن نفسه أولاً وثانياً بجعل الاتحاد نابعاً من الشعوب، ومدعوماً ومحمياً منها ضمن منظومة ديمقراطية متطورة.
وبدل أن يسير مجلس التعاون على خطى الاتحاد الأوروبي ولو بالتدريج بقي متقوقعاً في مؤسساته التقليدية طوال 34 عاماً، يدار بنفس عقلية الثمانينات من القرن الماضي، وبنفس النظام القائم على حصر القرارات بالمجلس الأعلى، وآلية اتخاذ القرار بإجماع القادة، ولأن ذلك لا يحدث في معظم الأوقات فإن التأجيل والترحيل والهروب إلى الأمام هو الحل الجاهز والسهل.
وبقراءة متأنية للبيان الختامي وإعلان الكويت نجد أن ملف الاتحاد ليس وحده التي حظي بالترحيل وعدم الاعتراف بالصعوبات التي تحول دون قيامه، فبجانب الاتحاد جرى الهروب من ملف العلاقات مع ايران والعمل على احتوائها اقتصادياً بإقامة شراكة استراتيجية معها (كما فعلت الإمارات) بدلاً من اتخاذ قرارات عسكرية لا تخدم شراكة الاحتواء، وإزالة التوتر المخيم على العلاقات بين المجلس وإيران.
والهروب إلى الأمام شمل أيضاً ملف العملة الموحدة التي أرسلت هي الأخرى للمزيد من الدرس دون الإشارة إلى الوقائع التي تؤكد أن هذه العملة الموحدة لن ترى النور إلا إذا تحققت السوق الخليجية المشتركة، وغيرها من المتطلبات اللازمة لحدوث التكامل والتجانس والترابط والاقتصادي والمالي بين دول المجلس.
والسوق الخليجية المشتركة هي الأخرى جرى الهروب بها إلى الأمام ربما للمرة العاشرة، ومعها الاتحاد الجمركي الذي ووفق على نظامه قبل حوالي عشر سنوات لكن الخلاف على نصيب كل دولة من الصندوق المشترك هي العقبة التي لم تستطع القمم المتلاحقة تذليلها حتى اليوم.
وبكلمة أكثر وضوحاً، فالقمم الخليجية ستبقى تنعقد وتنتقل من عاصمة إلى أخرى في إطار من الروتين، والهوة تتسع بين هذه القمم والشعوب، التي يتنامى لديها شعور بفقدان الاهتمام بوجود المجلس من عدمه.
وهذا ما لا ترضاه قيادات المجلس ولا شعوبه، وإنما تتمنى أن ترى توقفاً عن الهروب إلى الأمام، وتغيراً نحو مواكبة العصر، و«خليجاً واحداً» فعلاً لا غناء، وغير ذلك العودة الى ما قبل 1981.