صدم الموقف العماني آمال وتطلعات خليجية حكومية وشعبية بإعلانه الانسحاب ببساطة من دول مجلس التعاون الخليجي، إذا ما تقرر إقامة الاتحاد من بقية الدول الأعضاء. وأثار الأمر كثيراً من ردود الفعل الخليجية وكذلك العمانية على السواء، ولعل واحداً من أهم الأسباب المعلنة في هذا الشأن الرغبة العمانية في الموازنة ما بين علاقاتها مع الخليج العربي من جهة، ومع إيران من جهة أخرى، ونظراً للموقف الخليجي الاتحادي الدفاعي من الخطر الإيراني المرتقب، تجد عمان نفسها في خيار جبري «إما الخليج وإما إيران»، ولعلها ارتأت أن تمسك العصا من النصف ظاهرياً ونزعت نحو إيران ضمنياً.
ويبقى السؤال الملح الكامن في الضمير الخليجي: لماذا عمان بالذات -حكومة وشعباً- بعيدة عن بقية دول الخليج الأخرى؛ اجتماعياً ودبلوماسياً؟ ولماذا وجهت الدّفة نحو إيران؟!!
جاء في الأخبار العمانية قبل بضعة أشهر ما نصه: «اختتم صاحب الجلالة، السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- زيارته الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي صحب جلالته فيها وفد رفيع المستوى. وخلال الزيارة الرسمية، والتي امتدت من الأحد إلى الثلاثاء (25 -27 أغسطس 2013)، تم التباحث في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، والتي شملت العديد من المجالات، كالدفاع والسياسة والاقتصاد والتجارة، ولعل من أهمها بحث زيادة التعاون التجاري وإحراز تقدم في مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي سينقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى سلطنة عمان، لتحويله إلى غاز طبيعي مسال ومنتجات أخرى».
يجيب خبر كهذا عن كل التساؤلات الحائرة ويختصر أهم تحليلات الموقف العماني من الاتحاد الخليجي، بل إن خبراً كهذا يفرض سؤالاً آخر، هو «ما الذي استفادته عمان من دول مجلس التعاون، لاسيما على المستوى الاقتصادي؟!»، ويترتب على هذا سؤالٌ آخر؛ ماذا ستخسر عمان لو انسحبت من دول مجلس التعاون الخليجي؟ وحتماً ستكون الإجابة المخيبة للآمال العمانية وتطلعاتها من الخليج العربي، بذات المستوى المخيب للآمال الخليجية في الاتحاد بعضوية جميع دول مجلس التعاون ومنهم عمان.
طالعتنا الصحف أمس، بخبر حول برنامج التنمية لدول مجلس التعاون يقوم على توقيع اتفاقية بحرينية إماراتية لتمويل مشاريع إنمائية في مملكة البحرين، ومن الجميل جداً أن نخطو بمثل هذا الدعم والتعاون بين كافة الأطراف، غير أن الأجمل ألا يستثنى منه أحد الأعضاء ولو نسبياً. تواجه دول مجلس التعاون بعد تاريخها التعاوني الطويل احتمالية أقرب ما تكون للحتمية بفقدان أحد أعضائها، وبدلاً من احتواء الأمر وإصلاحه، عملت بعض من وسائل الإعلام -فضلاً عن المواقف الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة- تضخيماً مهيناً للموقف العماني في محاولة لاستباق الأحداث وافتعال نزاع خليجي مع سلطنة عمان.
يعلم رجالات السياسة جيداً، ماذا تعني استراتيجية الاحتواء، وكيف أنها تتمثل في كونها نظام دفاع ملازم للتغيير، كما يعلمون أن بعضاً من أهم أدوات تلك الاستراتيجية تقوم على التسهيلات التجارية والدبلوماسية العامة. فلماذا نرى الحنكة السياسية والحكمة غائبتين عن المشهد الراهن، وإلى أي اتحاد نرنو ونحن نتحين الفرص ونتصيد الزلات للانقضاض على بعضنا بعضاً؟!
تزخر السلطنة العمانية بثروات وخيرات متنوعة، ورغم ذلك نجد أغلب الاستثمارات ورؤوس الأموال الخليجية أدارت ظهرها عنها، ومن ثم نتساءل «لماذا تبتعد عمان عن الخليج؟!» غير أن السؤال الأهم والأخطر «لماذا نريدها أن تقترب؟ ولماذا يشكل انسحاب عمان بالذات نوعاً من التهديد لأمن المنطقة؟!». أعتقد أننا بحاجة لوقفة جادة بيننا وبين أنفسنا، ولجلسات مكاشفة جريئة، لننأى عن كل ذلك التشنج، ولنعبر سيل معطيات المشهد السياسي في المنطقة بسلام وبعيداً عن الفرقة والصراع وصناعة العدو من قلب جماعة الأصدقاء.
تتمتع سلطنة عمان بتاريخ عريق وآثار، ومناطق سياحية جاذبة، فضلاً عما تحظى به من ثروات طبيعية مختلفة؛ بما يتيح للمستثمر الخليجي الاستفادة من تلك الموارد الغنية في تجارته وتحريك الاقتصاد العماني برؤوس أموال خليجية، يأتي ذلك من أجل تحقيق تبادل المنافع اقتصادياً وربط مزيد من المصالح بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون، الأمر الذي يعد من بديهيات التعاون ثم التكامل نزوعاً إلى الاتحاد المنشود، لتكون الخطى ثابتة وحقيقية.
تنتج عمان في المجال الزراعي بعضاً من الفواكه المتميزة كالتمر والليمون العماني وجوز الهند والبابايا والمانجو والموز، فضلاً عما تنتجه من الحبوب الغذائية، وهو ما يتيح فرصاً مواتية للاستيراد الخليجي من عمان، وكذلك الأمر ينطبق على ثروتها الحيوانية والسمكية وعلى جانب من ثرواتها المعدنية. خصوصاً في ظل توفر طرق المواصلات والتجارة في الداخل العماني، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي المرتبط بمضيق هرمز بصفته معبراً بحرياً مهماً إقليمياً وعالمياً.
- هل فات الأوان؟
باعتقادي.. لم يفت بعد، فما تعتزم عليه إيران وعمان من تبادل تجاري، من السهل جداً تعويضه بدفع رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في عمان، مثل هذه المبادرة ربما تكون كفيلة بتغيير الموقف العماني نسبياً أو تخفيفه مؤقتاً، بما يحقق المصلحة للجميع على نحوٍ منصف، وبما يؤكد فعلياً على وحدة الهدف ووحدة المصير والهم المشترك.
- ومض النبضات..
أعجبتني واحدة من الإضاءات التي سمعتها يوماً، مفادها؛ أنك عندما تشير بإصبع الاتهام إلى أحدهم، تذكر أنك توجه الأصابع الثلاثة الباقية باتجاهك، فدعونا لا نلوم عمان قبل أن نلوم أنفسنا، ودعونا نعمل -وبصفة طارئة جداً- على تدارك الأمر واحتواء الجانب العماني. ودعونا كلنا نتذكر جيداً.. أن لغة الاقتصاد هي المحرك الأهم للسياسات الراهنة، وأن الاقتصاد وحده كفيل بإذابة «الاختلافات الدينية» والنزاعات والفرقة السياسية.
- دندنة..
«اختر الحل الصعب.. يا تفارق يا تحب».
ويبقى السؤال الملح الكامن في الضمير الخليجي: لماذا عمان بالذات -حكومة وشعباً- بعيدة عن بقية دول الخليج الأخرى؛ اجتماعياً ودبلوماسياً؟ ولماذا وجهت الدّفة نحو إيران؟!!
جاء في الأخبار العمانية قبل بضعة أشهر ما نصه: «اختتم صاحب الجلالة، السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- زيارته الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي صحب جلالته فيها وفد رفيع المستوى. وخلال الزيارة الرسمية، والتي امتدت من الأحد إلى الثلاثاء (25 -27 أغسطس 2013)، تم التباحث في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، والتي شملت العديد من المجالات، كالدفاع والسياسة والاقتصاد والتجارة، ولعل من أهمها بحث زيادة التعاون التجاري وإحراز تقدم في مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي سينقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى سلطنة عمان، لتحويله إلى غاز طبيعي مسال ومنتجات أخرى».
يجيب خبر كهذا عن كل التساؤلات الحائرة ويختصر أهم تحليلات الموقف العماني من الاتحاد الخليجي، بل إن خبراً كهذا يفرض سؤالاً آخر، هو «ما الذي استفادته عمان من دول مجلس التعاون، لاسيما على المستوى الاقتصادي؟!»، ويترتب على هذا سؤالٌ آخر؛ ماذا ستخسر عمان لو انسحبت من دول مجلس التعاون الخليجي؟ وحتماً ستكون الإجابة المخيبة للآمال العمانية وتطلعاتها من الخليج العربي، بذات المستوى المخيب للآمال الخليجية في الاتحاد بعضوية جميع دول مجلس التعاون ومنهم عمان.
طالعتنا الصحف أمس، بخبر حول برنامج التنمية لدول مجلس التعاون يقوم على توقيع اتفاقية بحرينية إماراتية لتمويل مشاريع إنمائية في مملكة البحرين، ومن الجميل جداً أن نخطو بمثل هذا الدعم والتعاون بين كافة الأطراف، غير أن الأجمل ألا يستثنى منه أحد الأعضاء ولو نسبياً. تواجه دول مجلس التعاون بعد تاريخها التعاوني الطويل احتمالية أقرب ما تكون للحتمية بفقدان أحد أعضائها، وبدلاً من احتواء الأمر وإصلاحه، عملت بعض من وسائل الإعلام -فضلاً عن المواقف الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة- تضخيماً مهيناً للموقف العماني في محاولة لاستباق الأحداث وافتعال نزاع خليجي مع سلطنة عمان.
يعلم رجالات السياسة جيداً، ماذا تعني استراتيجية الاحتواء، وكيف أنها تتمثل في كونها نظام دفاع ملازم للتغيير، كما يعلمون أن بعضاً من أهم أدوات تلك الاستراتيجية تقوم على التسهيلات التجارية والدبلوماسية العامة. فلماذا نرى الحنكة السياسية والحكمة غائبتين عن المشهد الراهن، وإلى أي اتحاد نرنو ونحن نتحين الفرص ونتصيد الزلات للانقضاض على بعضنا بعضاً؟!
تزخر السلطنة العمانية بثروات وخيرات متنوعة، ورغم ذلك نجد أغلب الاستثمارات ورؤوس الأموال الخليجية أدارت ظهرها عنها، ومن ثم نتساءل «لماذا تبتعد عمان عن الخليج؟!» غير أن السؤال الأهم والأخطر «لماذا نريدها أن تقترب؟ ولماذا يشكل انسحاب عمان بالذات نوعاً من التهديد لأمن المنطقة؟!». أعتقد أننا بحاجة لوقفة جادة بيننا وبين أنفسنا، ولجلسات مكاشفة جريئة، لننأى عن كل ذلك التشنج، ولنعبر سيل معطيات المشهد السياسي في المنطقة بسلام وبعيداً عن الفرقة والصراع وصناعة العدو من قلب جماعة الأصدقاء.
تتمتع سلطنة عمان بتاريخ عريق وآثار، ومناطق سياحية جاذبة، فضلاً عما تحظى به من ثروات طبيعية مختلفة؛ بما يتيح للمستثمر الخليجي الاستفادة من تلك الموارد الغنية في تجارته وتحريك الاقتصاد العماني برؤوس أموال خليجية، يأتي ذلك من أجل تحقيق تبادل المنافع اقتصادياً وربط مزيد من المصالح بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون، الأمر الذي يعد من بديهيات التعاون ثم التكامل نزوعاً إلى الاتحاد المنشود، لتكون الخطى ثابتة وحقيقية.
تنتج عمان في المجال الزراعي بعضاً من الفواكه المتميزة كالتمر والليمون العماني وجوز الهند والبابايا والمانجو والموز، فضلاً عما تنتجه من الحبوب الغذائية، وهو ما يتيح فرصاً مواتية للاستيراد الخليجي من عمان، وكذلك الأمر ينطبق على ثروتها الحيوانية والسمكية وعلى جانب من ثرواتها المعدنية. خصوصاً في ظل توفر طرق المواصلات والتجارة في الداخل العماني، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي المرتبط بمضيق هرمز بصفته معبراً بحرياً مهماً إقليمياً وعالمياً.
- هل فات الأوان؟
باعتقادي.. لم يفت بعد، فما تعتزم عليه إيران وعمان من تبادل تجاري، من السهل جداً تعويضه بدفع رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في عمان، مثل هذه المبادرة ربما تكون كفيلة بتغيير الموقف العماني نسبياً أو تخفيفه مؤقتاً، بما يحقق المصلحة للجميع على نحوٍ منصف، وبما يؤكد فعلياً على وحدة الهدف ووحدة المصير والهم المشترك.
- ومض النبضات..
أعجبتني واحدة من الإضاءات التي سمعتها يوماً، مفادها؛ أنك عندما تشير بإصبع الاتهام إلى أحدهم، تذكر أنك توجه الأصابع الثلاثة الباقية باتجاهك، فدعونا لا نلوم عمان قبل أن نلوم أنفسنا، ودعونا نعمل -وبصفة طارئة جداً- على تدارك الأمر واحتواء الجانب العماني. ودعونا كلنا نتذكر جيداً.. أن لغة الاقتصاد هي المحرك الأهم للسياسات الراهنة، وأن الاقتصاد وحده كفيل بإذابة «الاختلافات الدينية» والنزاعات والفرقة السياسية.
- دندنة..
«اختر الحل الصعب.. يا تفارق يا تحب».