ثمة مشكلة حقيقية في خطاب الشيخ علي سلمان أمين عام الوفاق، ففي حين أننا نعيش أجواء حوار، يفترض أن، يغلب عليه لغة التفاهمات والتوافقات والمقاربات، يخرج علينا الشيخ علي سلمان في أحد لقاءاته الإعلامية في حديث عن الثورة وما تحمله من مفارقات وخلافات وجروح غائرة كلما أوشكت أن تندمل فجرها علي سلمان (كالدمل) فنزفت قيحاً مريراً.
في أجواء الحوار التي بالكاد ابتلع (غصتها) شارع الفاتح يعلن الشيخ علي سلمان أن الشارع لا يزال يعيش حالة الثورة، وأن العمل كان على تجذير الثورة في المجتمع، وأن الثورة تمكنت من استقطاب كافة القطاعات، بحيث صار الوضع في حالة مواجهة شعبية مستمرة!!، ثم يعلنها سلمان مدوية أنه يؤمن «بالتظاهرة في العاصمة أو في القرى أكثر من هذا الحوار». وهنا يعود الشيخ علي سلمان ليلوح بالشارع وبالتظاهرات ومحاولات اقتحام العاصمة المنامة وإقحامها في المسيرات والكر والفر التي لا هدف لها في المنامة إلا ضرب الاقتصاد مباشرة، وخنق ما بقي للبحرين من استثمارات.
ويبدو أن الشيخ علي سلمان بحاجة أولاً إلى الاطلاع على مفهوم الثورة ومقوماتها، ومتى تسمى التحركات الجماهيرية ثورة ومتى يطلق عليها مسيرات احتجاجية ومتى تتحول إلى تجمعات مشاغبة. وبمناسبة تعريجه على الربيع العربي فإنه كذلك يحتاج لأن يتعرف على انقلاب المزاج العربي على كل تحرك يهدف إلى قلب نظام الحكم باسم الثورة أو أي اسم آخر.
فقد تحولت (الثورة) في المخيال العربي الجَزِع إلى (ثغرة) نفدت خلالها (النكسة) العربية الجديدة التي أدخلت بلدان الوطن العربي في أتون الفوضى الهدامة. وقد صارت الشعوب العربية تخاف على مفهوم (الدولة) على كل علاتها وعيوبها ونقوصاتها، أكثر مما تحلم بالثورة بكل ما تحمله من رومانسية وخيالات لا مكان لها، اليوم تحديداً، إلا في خطابات تجار الثورات.
حديث الشيخ علي سلمان المتجاوز لمقتضيات موسم الحوار الثالث يرمي في حقيقته إلى هدفين؛ الأول: التجهيز لفعاليات 14فبراير بعودة الحديث عن الثورة، وشحذ همم الشارع الذي استنزف في السنوات الماضية وخارت قواه وتبددت أحلامه. فعلي سلمان تحدث عن إمكانية حشد 250 ألف متظاهر يوم 14 فبراير، وهذا الرقم لم يتمكنوا من حصد نصفه في أوج زخم الثورة المزعومة؛ فكيف بنا اليوم وقد استشعر شارع الوفاق ضياع بوصلة جمعياته؟، الهدف الثاني: العودة إلى المربع الأول بلَي يد الحكومة وابتزازها بامتلاك ناصية الشارع، والتلويح بمقاطعة الانتخابات في حديث علي سلمان. وكلها لا تخرج عن منهج المعارضة القديمة في استخدام الشارع وبابتزاز البلد كاملة وتهديدها.
إن المعنى المضمر الذي يقطر من حديث الشيخ علي سلمان عن الثورة وعن الرقم (250) ألفاً القادرة الوفاق على حشده يوم 14 فبراير، وعن المقاطعة المبدئية لكل الانتخابات، يدل على أن المعارضة، وعلى رأسها الوفاق، ما زالت تلعب بالورقة المؤلمة في البحرين وهي انتهاء الشارع الشيعي رهينة بيد التيار الولائي، وقدرته على محاربة باقي التيارات الشيعية المعتدلة أو المخالفة له. وتلك أكبر أخطاء السلطة في البحرين أن تركت الفرصة للولائيين يتمددون ويستقوون ويضربون أذرعتهم متغلغلين داخل القرى ومطبقين عليها. فلا مشكلة بأن تقاطع الوفاق أو أي جمعية أخرى أية انتخابات، ولكن تلويح الوفاق بالمقاطعة يعني اتخاذ التيار الولائي تدابير قاسية ضد كل من تسول له نفسه الترشح في الانتخابات البلدية أو البرلمانية، فليس خافياً على أي متتبع لأحوال الشيعة في البحرين كيف يتم ازدراء المخالفين للولائيين وتهميشهم وتهديدهم وترويعهم.
الحوار شيء والثورة شيء آخر والانتخابات شيء ثالث، وعندما تعجن المكونات المختلفة السابقة في حديث واحد للشيخ علي سلمان فهذا مؤشر أننا مازلنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها منذ ثلاث سنوات، وأن الوفاق ماتزال تعيش مرحلة الطفولة السياسية، فلا مانع من خروجها ببعض الحركات المراهقة من تصعيد الهجمات في الشارع ومن التصريحات الاستفزازية والعنتريات بين الفينة والأخرى. والزمن يسير برتابة في تكرار المتوالية المملة نفسها ونحن نتفرج فقط، وكل 14 فبراير ونحن في فُرجة.