في يوم العشرين من شهر أكتوبر الجاري احتفلت دول العالم شعوباً ومؤسسات حكومية وخاصة وأهلية وأكاديمية بحدث عالمي هام؛ حدث استفادت منه البشرية جمعاء و تستفيد تخطيطاً وتنمية لخدمة حاضرها ومستقبلها. هذا الحدث هو اليوم العالمي للإحصاء، والذي دعت اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة (UNSD) في جلستها الحادية والأربعين إلى الاحتفال به في يوم 20 / 10 / 2010 تحت شعار يجمع ثلاث قيم أساسية «خدمة - مهنية - نزاهة». ودعت في تلك المناسبة إلى إذكاء الوعي بالإسهامات العديدة التي قدمتها الإحصاءات الرسمية المبنية على القيم الأساسية وهي الخدمة والنزاهة والاحتراف المهني. هذه القيم الثلاث هي مفتاح النجاح في الاستفادة القصوى من الإحصاء من جانب القطاعات كافة، الحكومية والخاصة. ولأهمية الإحصاء في رسم السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئة والديموغرافية في الدول، كان لا بد من اعتماد معايير علمية عالية الجودة تحقق تلك القيم الأساسية سالفة الذكر. ولاشك أن اعتماد النهج العلمي يعتبر الأساس للتطور المرحلي المقنن بناء على أرقام دقيقة، وليس على تخمينات واجتهادات شخصية مما يتطلب بذل المزيد من الجهود للوصول إلى الأرقام الحقيقية لأن الرقم الحقيقي يخدم صناع القرار والباحثين لفهم أعمق للحاضر وتخطيط أمثل للمستقبل، وعدم اتخاذ قرارات ارتجالية تكون خاطئة وغير ملائمة للواقع. ولا بد من التأكيد أيضاً على أن العمل الإحصائي يخضع لأسس صارمة من حيث المحافظة على سرية البيانات الفردية وعدم نشر البيانات إلا بصورة تجميعية لتوظف في الأغراض الإحصائية والتخطيطية، وهو ما يضمنه في البحرين القانون الإحصائي الصادر بالمرسوم الأميري رقم (/19777).
وأنوه هنا أن علم الإحصاء STATISTICS يعد من أهم العلوم التي تتوقف عليها عملية التنمية في الدول، وكثيراً ما يرتبط مصير المشاريع أو القرارات الكبرى بالنتائج التي يقدمها الإحصاء في مجال معين. وبشكل عام فإن عدم بذل أي جهد إحصائي يحول دون نجاح أي قرار ويجعل من اتخاذه نوعاً من المغامرة غير محسوبة العواقب.
ويساعد علم الإحصاء على تنظيم المعلومات المبعثرة والمكدسة، التي إن تركت كما هي، تكون بلا فائدة. فالإحصاء يعطي رؤية واضحة مرتبة للأمور، كما يسهم في تحديد درجة الثقة التي نوليها لما حصلنا عليه من نتائج ويحدد مدى إمكانية تعميمها، وبالتالي فإنه لا غنى لأي دراسة علمية رصينة عن الإحصاء واستخداماته، قلت أو كثرت. إن القيمة الحقيقية العلمية للإحصاء هي قدرته على الوصف الدقيق للظواهر اعتماداً على البيانات العلمية وتفسيرها وتوقع المستقبل اعتماداً على أسس علمية وإتباع مناهج علمية وطرائق رياضية في التفكير.
وختاماً لابد من التذكير بأن الله سبحانه وتعالى شرف علم الإحصاء باختياره «المحصي» من أسمائه، وكرم الحق جل وعلا هذا العلم أيضاً بذكره في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر:
)وكل شيء أحصيناه كتاباً) «النبأ: 29»، (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) «يس: 12»، (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) «الكهف: 49»،(يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه) «المجادلة: 6» وفي الآية الكريمة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) «النحل: 18» دلالة على عجز البشر عن الإحصاء بمعناه المطلق. وهذا راجع إلى قصور إمكانات البشر، مع وجود التقدم المعرفي الهائل الذي يتزايد يوماً بعد آخر. لكن مع ذلك يظل القرآن الكريم يدعونا إلى الإحصاء، ويؤمرنا بإتقانه والنبوغ فيه على أسس علمية سلمية. وغني عن القول أن الآيات السابق ذكرها تضع أسساً قويمة لعلم الإحصاء الذي يتضمن الطرائق والأساليب والمقاييس الإحصائية الصحيحة؛ ولا غرو فإنها من صنع ووضع المحصي بحق الذي لا محصي غيره سبحانه وتعالى.
كلية العلوم - جامعة البحرين