بصراحة لا تلوموا البحريني إذا «تحلطم»، إذ آخر ما كان يتوقعه أن «تخون» فيه «الطماطة» ليرتفع سعر الكيلو إلى دينار، في الوقت الذي يرى راتبه بالكاد يرتفع مقارنة بما يحصل في دول الجوار.
أعــلن عن ارتفاع سعــر الطماطــم فإذا بالبحرينيين (معظمهم طبعاً، لا أصحاب الملاعق الذهبية في أفواههم) يقولون: كل شيء يرتفع في هذا البلد إلا الراتب!
هذا واقع صحيح ومرير، والمشكلة أنه كلما تحدث المواطنون عن تحسين وضعهم المعيشي وتحديداً رفع الرواتب وطالبوا بزيادات مؤثرة يخرج علينا من يُنظر ويتحدث بفلسفة اقتصادية ورقمية ليشير بأن زيادة رواتب المواطنين (طبعاً نعني موظفي القطاع العام لأن القطاع الخاص دائماً ما يطلعون منها) بأن هذه الزيادة هي التي ستأتي على اقتصاد البلد وتسويه بالأرض، وأن هذه الزيادة في رواتب الناس هي التي ستقود ميزانية البحرين للتدهور وستدفع بالدولة للإفلاس.
كثير من خبراء التنظير الاقتصادي لا يمتلكون جرأة وصراحة ليتحدثوا عن سلسلة طويلة من الفعاليات والمهرجانات والمشاركات الخارجية والاحتفالات (وأغلبها إكسسوارات لا ضروريات) يلقى عليها ملايين الدنانير، ويقولون بأن هذه الأموال لو وجهت لما هو «أولوية» ونعني بها تحسين معيشة المواطن لكان لها أبلغ الأثر على نفسية المواطن ولساهمت في دفعه لمزيد من الإنتاجية والتطوير.
المواطن هو «الطوفة الهبيطة»، ولا أريد ذكر أمثلة لكثير من فعاليات «الترف» و«البذخ» التي يصرف عليها أموال طائلة ولا أحد ينتقد ذلك، في حين «ينتقص» البعض على رفع راتب هذا المواطن «كم دينار»!
أتذكر دائماً نقاشاً مع أحد المسؤولين في أحد قطاعات الدولة حينما طرحت في مقال قديم تحديداً في ديسمبر 2010 فكرة إلغاء قروض المواطنين الشخصية (سيارات، بطاقات اعتماد، قروض شخصية وعقارية)، حين قال لي: «فكرة غير مجدية، لأن المواطن سيذهب في اليوم الآخر ليقترض من البنوك، والتجار سيرفعون الأسعار!».
أكيد سيذهب المواطن للاقتراض في اليوم الآخر، لأن كثيراً من البحرينيين لا يقترض لمجرد «الرفاهية والترف»، وإن كان هناك من يفعل ذلك أيضاً، لكن لا يمكن تعميم هذا الافتراض، فهناك من يقترض ليؤمن لنفسه مسكناً أو لأولاده دراسة مناسبة، أو يستعين بذلك على الظروف المعيشية، لكن الفكرة بأن يدرك الناس بأن الدولة تشاركهم الهم وتعرف بأمورهم وتساعدهم.
أما عن التجار، فالتبرير «عذر أقبح من ذنب»، وإن حصل وارتفعت الأسعار بصورة جنونية نظراً لارتفاع الرواتب أو إلغاء القروض، فهذا يعني فشل للدولة عبر الأجهزة المنشأة لتعنى بحماية المستهلك وإدارة الاقتصاد. ما يعني أن شعارات «حماية المستهلك» كلها خيالات وفنتازيا ولا تمس الواقع بصلة.
ما حصل بشأن ارتفاع سعر الطماطم، يذكرنا بما حصل بشأن أزمة اللحوم، وقبلها ارتفاع سعر علبة المياه الغازية، وكلها أمور تدخل في إطار «المأساة الملهاة»، إذ تصل هذه الظروف بالمواطن إلى اعتبار كل ارتفاع في أي سلعة مهما كانت أولويتها أو أهميتها مؤشراً على ارتفاع جنوني قادم للأسعار، ويحصل هذا في دولة يفترض أنها نفطية ولديها عوائد مالية من وراء ذلك.
إن كان التعويل على رفع الرواتب مرهوناً بالسلطة التشريعية، فإن طريقك يا مواطن مسدود مسدود!
لا تعلقوا آمالاً على النواب لأننا رأينا النتائج على امتداد عشرة أعوام بوجود نواب مختلفي التوجهات من ضمنهم حتى معارضين يتاجرون بهموم الناس كشعارات فشلوا في ذلك ونجحوا في تأمين رواتب تقاعدية لهم وزيادات مؤثرة في رواتبهم ومزاياهم وبدلاتهم، وطبعا مجلس الشورى انسوه تماماً، فلربما شخص أو اثنان فقط قد يتحدثان بهم الناس، بينما البقية من طبقة «الهاي كلاس» يتعاملون مع الناس بأسلوب ماري انطوانيت «كلوا بسكويت».
تغيير وضع المواطن المعيشي لن نرتجيه من وراء السلطة التشريعية، وهذا بحد ذاته شيء مؤسف في دولة يفترض أن تشريعاتها مبنية على عمل ممثلي السلطة التشريعية الذين نصفهم جاء به الناس ليعبروا عنهم ونصفهم الآخر من شخصيات المجتمع المفترض أن تعمل للمجتمع، لكننا نتمناه أن يأتي من الدولة التي دائماً ما تؤكد أن المواطن البحريني هو أساس كل شيء، ويجب أن تتمحور العمليات حوله.
هنا ننقل ما يعتمل في صدر المواطن بأمانة، إذ على ما يبدو أن كثيراً من المسؤولين لا ينقلون لقادة البلد «حقيقة» ما يعبر عنه الناس. المواطن البحريني يحتاج لاهتمام والتفاتة حقيقية ويحتاج لتحريك وضعه المعيشي وتحسين راتبه ورفعه.
والله لا يعقل أن نصل لمرحلة يقارن فيها المواطن ارتفاع راتبه بارتفاع سعر «الطماطم»، وليخرج بخلاصة مفادها أن كل شيء في البلد يرتفع إلا راتب البحريني!.
اتجاه معاكس..
نصيحة لوجه الله، وتحديداً لكثير من (الهاي كلاس والتجار الذين يعرفون أنفسهم باقتصاديين) من المنظرين والمتفلسفين والمترفعين على فئات الشعب بالأخص أصحاب الرواتب المتوسطة والمتدنية، إن أرادوا «ممارسة الفلسفة» على المواطن البسيط والتقليل من شأن همومه ومطالباته بتحسين راتبه أو تشغيل أسطوانة سمعناها كثيراً مثل «المواطن طماع، شيبي أكثر؟!».
نتمنى من هؤلاء امتلاك الجرأة والشجاعة وليذهبوا لمجالس الناس في المدن والقرى، وليقفوا فيهم ليخطبوا بالتنظيرات الاقتصادية التي زبدتها في النهاية القول للناس بأن «مشوا بوزكم من الزيادات، فأنتم لا تستحقونها»!
والله الوقت مناسب لفعل ذلك، خاصة وأن سعر الطماطم ارتفع، بالتالي لا حاجة للقلق والخوف بأن يرشقهم الناس بالطماطم!.
فقط أخشى أن ينتبه أحدهم ويقول: «طيب وماذا عن البيض، سعره ما ارتفع، يعني بيفلتون علينا بيض!».
طيب، أقلها بيض في هذه الحالة، أحسن من «بيض وطماط»!