المفكر الجزائري الكبير مولود فرعون يذهب إلى أن نجيب محفوظ لم يكن أول عربي حصل على جائزة نوبل؛ بل هو المفكر والأديب الجزائري الفرنسي ألبير كامو، والذي حصل عليها في العام 1957. ومع أن هذه المقدمة عن ألبير كامو وعروبته وإنسانيته تبدو أبعد ما تكون عن موضوع مقالة اليوم وعنوانها، إلا أن هذا المفكر الكبير؛ وعبارته الشهيرة عن الإرهاب، كانا يسيطران على تفكيري، وأنا أنتظر مع صف طويل جداً من السيارات أكثر من ساعة كاملة كي نعبر شارعاً اشتعلت فيه الإطارات على الجانبين وبكثافة لم تحجب المرور فقط؛ بل حجبت الرؤية والتنفس أيضاً.
فحين سأل ألبير كامو عن رأيه ببعض التفجيرات التي تنفذها جبهة تحرير الجزائر، ويسقط المدنيون الجزائريون والفرنسيون ضحايا لها؛ قال بكل صراحة وإنسانية: «في هذه الأثناء نسمع عن تفجيرات في تجمعات سكنية وفي الترامواي، ربما تكون أمي في الترامواي نفسه، وربما يكون صديقي في المجمع السكني، إذا كانت هذه هي العدالة، فأنا أفضل أمي على العدالة، وإذا كانت هي الثورة فأنا أفضل صديقي على الثورة». مثل هذه العبارة قالها الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وقيل إنها لزميله توفيق زياد حين تساءل: «هل يتصل المفجر الذي ينوي تفجير دار سينما أو سوق تجاري فيه عرب ويهود وأجانب ومن كل الديانات والجنسيات.. هل يتصل بإخوانه وأبناء عمومته ويطلب منهم عدم الذهاب إلى دار السينما ذاك اليوم لأنه سيفجرها..؟!.. أم تراه لا يكترث لموت أقاربه وإخوانه..؟!».
ما أراد أن يقوله كامو وسميح القاسم وتوفيق زياد هو أن الإرهاب ليس له عيون، وليس له قلب، ولا عقل ولا ضمير، والإرهاب لا يحمل أية قيمة إنسانية مهما كانت القضية التي يزعم ويدعي أنه يمثلها أو يدافع عنها، وما نريد أن نقوله اليوم هو أن من يشعل إطاراً في الشارع العام كي يعيق حركة الناس وحياتهم ويسيء إلى أمنهم وأمانهم واستقرار حياتهم ويهدد سلامتهم لا يمكن أن يكون ثورياً ذا مبادئ، ولا يمكن أن يكون هدفه لمصلحة الوطن وتقدمه وازدهاره وتنميته.
والسؤال الذي كان يلح على خاطري وأنا أحاول العبور من المنطقة التي اشتعلت فيها الإطارات هو كالتالي:
• ماذا سيكون موقف الشاب الذي أحرق الإطارات لو أن والدته تعرضت في نفس اللحظة لأزمة قلبية واحتاجت لسيارة الإسعاف، ثم لم تتمكن سيارة الإسعاف من المرور بسبب الإطارات التي أشعلها الابن؟!
• وماذا لو أن نيران الإطارات المشتعلة أعاقت وصول سيارة الإنقاذ عن الوصول إلى محتاج في نفس المنطقة؟!
• بل ماذا سيكون رد فعله لو أن شباباً من منطقة أخرى جاؤوا إلى قرب بيته وأشعلوا ناراً وإطارات أعاقت شقيقه المصاب بالربو عن التنفس؟!
• وإلى متى سوف تستمر هذه المشهدية في التعاطي مع الشأن الوطني؟ أعني مشهدية «الانفراد» بالرأي والموقف و«الانعزال» عن المجموع!
فعلى جانب هناك عقلاء الوطن ووجهاء العوائل والأسر والنخب الفكرية والاجتماعية الذين يستنكرون ما يجري بقلوبهم فقط ويكتفون بـ«أضعف الإيمان»! وعلى الجانب الآخر شباب ومراهقون مغرر بهم، تمور في دواخلهم نيران الحماسة ممزوجة بتفاعلات الأدرنالين واشتعالات التستوستيرون، فيأتي من يفجرها ويحرفها عن مسارها الطبيعي إلى مسار تدميري وتخريبي للذات وللوطن والبيئة!
• ألم يحن الوقت لتجمع وطني يرفع راية الحقيقة في وجوه المسيئين والمفبركين والمتجاوزين؟!
• أليس هؤلاء الشباب المغرر بهم أبناءنا وفلذات أكبادنا وابتسامة حاضرنا وإشراقة مستقبلنا؟!
• أليسوا ينتمون إلى عوائل وأسر بحرينية لها مفاتيحها ووجهاؤها ورجالاتها؟! أين هؤلاء؟! ولماذا لا يقفون موقفاً واحداً موحداً إلى جانب مصلحة أبنائهم ومستقبلهم وحياتهم وحريتهم؛ وضد ما يحيكه الأعداء للوطن؟!
• ألم تتكشف أوراق المؤامرة للعلن؟!
• وإلى متى الانتظار والوطن يئن ويتراجع؟!
نحن لا ندعو لتعليق المشانق؛ بل ندعو لتعليق أضواء الوعي، ومنارات الرؤية، وأجراس الحقيقة.. الأجراس التي تقول لمن يتحدث اليوم عن صراع طائفي؛ اسكت فأنت تمزق الوطن.. واسكت فأنت تكذب على الوطن.. واسكت فأنت تعتدي على كرامة الوطن.
ألم يحن الوقت كي يخرج العقلاء الطيبون عن تحفظاتهم وهواجسهم وما يحذرون وما يرون ولا نرى ويعرفون ولا نعرف.. إلى براح الحقيقة الأهم والأعم، وهي أن الوطن لنا جميعاً.. وأننا شركاء فيه في السر والعلن والعسر واليسر.. وأننا إذا لم نتشارك التصدي لما يهدد الوطن اليوم فسوف نتشارك في الغد دمعة الأسى على وطن خذلناه بالأمس..؟!