كانت معلماً وشاهداً وعنوان حضارة لشعب عاهد وصدق ووعد وبر؛ إنها الساحة التي تنادى فيها الشعب من أدنى البحرين إلى أقصاها؛ فكان الفاتح، وكانت ساحة الشرفاء وكان دوار الساعة، لكن الحديث اليوم يخص ساحة الشرفاء، التي فنيت معالمها وغيرت مراسمها وسورت مواقعها، لكنها تبقى أرضها ملتصقة بجدران الفؤاد، ولن يستطيع أي سور أن يحجب رؤيتها، فقد حفظتها العيون وطبعها الذهن بين طبقاته.
إنها ساحة الشرفاء التي رفعت رسم سمو رئيس الوزراء، وذلك عندما تآمرت قوى الظلام ضد حكومته، وحاولت أن تنال من مقامه ومكانه، إلا أن شعب البحرين الوفي أبى أن تنال هذه الشرذمة من عنوان الحضارة ورمز الأصالة، صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه وأبقاه ذخراً للبحرين وللأمة، فهو الفارس الذي امتطى صهوة جواده في حلك الظلام لينضم إلى صفوف شعبه وفي مقدمته وفي كل مكان وجزء يكون شعب البحرين الحر موجوداً.
من ساحة الشرفاء إلى سمو رئيس الوزراء.. نقول إن هذا المعلم التاريخي والحضاري كان شاهداً على بيعة الشعب لحكامه، وذلك حين تسارعت خطوات رجال البحرين بعدما أُغلقت الشوارع والأسواق وسورت المنامة بالخنادق ومنع الناس من أسباب معيشتهم، وذلك كما تعلمون يا سمو رئيس الوزراء، لأن استيراد المواد الغذائية بكافة أنواعها وأشكالها محتكرة من قبل تجار الدوار، لذلك سيرت رجال البحرين باصاتها وسياراتها لإغاثة الشعب، ليعلم أولئك المتآمرون أن الشعب قادر على أن يواجه كل الشدائد والمحن، ولا يمكن لفئة متآمرة مع الشيطان أن تسلب منه أرضه وحقه في الحياة، وأن الحياة تسير إلى الأمام وتتقدم إلى الأفضل بدونه، وذلك عندما يجتمع المخلصون على قلب واحد.
فيا صاحب السمو.. إن هذا المعلم قد دفن وتسور وحجبت رؤيته حيث كان الشعب يستمد منه حيويته كلما مر عليه، وتذكر أن هذه الأرض المباركة قد سجلت مواقف عظيمة لا تقل عن أي مواقف مرت على الأمة عبر التاريخ، فقد كان صراعاً بين الحق والباطل، وكانت هذه الأرض هي الشاهد على انتصار الحق، كما كان الفاتح وكان دوار الساعة.
فلماذا تم محو هذا المعلم؟ وما هي الأسباب؟
لنفرض أن هناك أسباباً، فكان من الممكن أن تدرس ويوجد لها الحلول، لكن يبقى هذا المعلم في مكانه؛ فهو حق لشعب البحرين بأن تكون له مواقع في بلاده يتذكر منها تاريخه، ومن حق أجياله أن يكون أمامهم جزء من هذا التاريخ الذي يروي قصة وفاء شعب عظيم لقيادته وأرضه، هذا الشعب الذي لم تسعه البيوت ولا النوادي ولا مباني الجمعيات لتحتضن مشاعره، لذلك قرر أن تكون له ساحة مفتوحة يجتمع فيها ويتعاون على البر والتقوى، حيث انتصرت البحرين لأن شعبها لم يتربَ على الدسائس والمؤامرات، لذلك اختار أن يكون في الفضاء المفتوح، كما كانت هذه الساحة مقصداً لرجالات الخليج ورجال البحرين المخلصين من سياسيين ورجال دين اجتمعوا في هذا المكان واجتمعت معهم جموع الشعب من كل منطقة ومدينة في البحرين.
نعم لقد كانت أرض ذات حياة في النهار والليل، كانت أرضاً تحتضن أهل البحرين ليس لإثارة شغب أو قيادة مسيرات تحرق الوطن، بل كانت لأجل إيصال صوت الشعب إلى العالم وإلى الدولة بأن هناك شعباً حراً يرفض التنازل أو الرضوخ أمام أصحاب المؤامرة الانقلابية، الذين عقدوا العزم على تسليم البحرين لإيران.
هذه المؤامرة التي لن ينساها الشعب مهما بقي ومهما بقيت أجياله، حتى وإن محيت مشاهده ومعالمه، فهناك تبقى الروح العصية التي لن ينال منها من يحاول أن يكسر عزيمته وإرادته، ويجعله مسيراً دون إرادة، أو أن يقبل بنتائج تصالحات تسلب منه كرامته كشعب يعيش على هذه الأرض له رأي وله مكانة تستمع لها الدولة وتقدرها، لأن عدم تقديرها لا يأتي بخير أبداً، طالما أبعدت الدول هذا الشعب وكسرت مجاديفه وجردته من هويته حين يشعر هذا الشعب الوفي أنه المستهدف بعد أن كان صمام الأمان الذي تقهقر أمامه الانقلابيون ومعهم أمريكا وإيران.
هذه يا سمو رئيس الوزراء رسالة إليكم من شعبك المحب، حيث كان يقفز فرحاً صغيرهم وكبيرهم وعاجزهم ومريضهم بقدومك، حين يسمع أن صاحب السمو قادم أو قد جاء فجأة بشخصه الكريم، إنه الشعب الذي كان يشم عبق الأرض التي كنت تسير عليها أقدامك الطيبة فكنت لهم الملهم، وكنت لهم القائد الشجاع الذي أحاطه هذا الشعب، ليس بمشيئته ولكن بمشيئة الله، التي ألفت بين قلوب عباده لتلتف حول خليفة بن سلمان.. فقد كان لهم خليفة بن سلمان المصباح الذي أنار الظلمة التي عاش لوعتها وضنكها.. وهو الرجل الكريم الذي سيعيد لساحة الشرفاء هويتها كي يسطر عليها تاريخ شعب وفيّ عاهد فصدق ووعد فأبر.