كنت أتمنى أن تدشن البحرين مجموعة من المؤلفات لتصاحب «مؤتمر حوار الحضارات» المنعقد حالياً على أرضها، تتناول الكيفية التي تعاطى فيها نظام حكم آل خليفة في البحرين مع الجماعات والأديان حين دخلوا البحرين فاتحين، كي لا يعتقد أحد أن هذا المؤتمر ينطلق من فراغ، بل هو مترجم لحقائق تاريخية وليس كغيره من المؤتمرات التي تقام من أجل «البهرجة والتزييف».
كنت أتمنى أن تعرض دراسات وأبحاث ووثائق تاريخية (البحرينية منها والأجنبية) التي تبين واقع الأديان في البحرين حين استلموا الحكم حتى اليوم، لا بكلام إنشائي مكرر بل بدراسة إحصائية توثيقية، تبين عدد دور العبادة بكل تلاوينها المذهبية والدينية، وتوثق القوانين والقرارات التي صدرت والتي تتناول كيفية تعاطي النظام مع حرية ممارسة الطقوس الدينية ومظاهر التعبد المتنوعة في البحرين، التي منحت لأصحاب المذاهب والأديان حقوقهم الدينية، ومنحتهم قضاءهم وحرية أحوالهم الشخصية وحقهم في ممارسة معتقداتهم الدينية، كتلك الوثائق التي ذكرتها «تقارير بعثة الكنيسة الإصلاحية الأمريكية في البحرين (1892-1962) وهي من أهم مصادر تاريخ البحرين الحديث وذلك لأنها اتخذت من البحرين مقراً لها، وقد نشرت المجموعة الكاملة لبعثة الكنيسة عام 1988 في ثمانية مجلدات تحت عنوان: جزيرة العرب المنسية/ نداء جزيرة العرب 1892-1962، حيث تعكس هذه الوثائق سبعين عاماً من التطور السياسي والاجتماعي والثقافي في الخليج العربي والبحرين بصفة خاصة، حيث شمل نشاط البعثة تقديم الخدمات الطبية والتعليمية والجولات السياحية في أرجاء المنطقة، وتمكن أعضاؤها من إقامة علاقات وثيقة مع حكام المنطقة، وتتضمن المجموعة في طياتها بحوثاً ميدانية وتقارير فصلية تغطي الفترة 1892-1901، تحتوي على جميع أعداد مجلة «جزيرة العرب المنسية» والتي تغير اسمها ابتداء من عام 1949 إلى «نداء جزيرة العرب» التي توقفت عن الصدور عام 1962 بعد أن صدر منها 250 عدداً.( ) (من كتاب الدكتور بشير زين العابدين .. البحرين ومحيطها الإقليمي) لمن يسأل عن الكتاب هو جاهز للطبع إنما ليس هناك من يطبعه!!
يؤسفنا أن نقول إن هناك فقراً مدقعاً في توثيق هذه الزاوية من تاريخ البحرين، في الوقت الذي تعاني البحرين من وجود «ماكينة تزوير تاريخية» تعمل بلا كلل لغسل دماغ جيل كامل من الشباب لأغراض سياسية وأجندات خاصة، استباحت من أجل تحقيقها كل المحرمات وعلى رأسها الكذب وشهادة الزور، ومن من؟ من رجال دين ومن على منابر المساجد تتم عملية التزوير يومياً، في الوقت الذي تتمتع فيه تلك المجموعة التي امتهنت التزوير عن سبق إصرار وترصد بكامل حريتها في الخطابة وفي العمل السياسي معاً، وتتمتع بما يحلم به غيرها، في وقت يزورهم الغريب من أجل أن يمارس معتقداته عندها وهو المحروم منها في بلده، في ظل هذا كله رفعوا شعارات المظلومية والاضطهاد، ونسوا تاريخاً طويلاً من العطاء ومن الحريات وتمسكوا بهدم خمسة دور عبادة في أوقات الطوارئ مقابل بناء المئات منها، ولم تبق صورة ولم يبق خطاب ولم يبق نداء إلا ورفعوه مصورين البحرين سجناً وقيداً للحريات الدينية.
صحيح أن البحرين أرض الحريات وأرض التعايـــــش وأرض التسامــــح منذ مئات السنين، بها المعابد وبها الصوامع وبها الكنائس وبها المساجـــد وعليهـــا تعايشــت كـــل الديانات والحضارات من قبل حكم آل خليفة، إنما حين جاء حكم آل خليفة لم يهدم ولم يمسح هذا الواقع المنفتح كغيره من الأنظمة التي مسحت كل ما هو مخالف لديانتها، بل بالعكس شهدت البحرين نمواً كبيراً للحريات في عهد هذا الحكم، أبرز مظاهره بناء دور العبادة لكل المذاهب ولكل الأديان، وعودة المهجرين والنازحين من أبناء الطائفة الشيعية الهاربين من جحيم الاقتتال الداخلي والغزوات الأجنبية والأمراض كالطاعون الذي شتت آلاف الأسر، تلك وقائع مذكورة في كتبهم التاريخية وبفضل من الله وبسبب الاستقرار الذي ساد أرض البحرين وبفضل مناخ الحريات والبيئة الحاضنة لكل الأطياف والتعدديات، عادت هذه الأسر بعد أن شعرت بالاطمئنان.
هذا التاريخ لم يكتب لم يوثق، هذه الزاوية تحديداً لم تؤرخ وتحفظ للتاريخ الذي له حق علينا، وللأجيال القادمة، وهي أكثر الزوايا التي يتم تزويرها اليوم وعن سبق إصرار وترصد لجيل ولد في الألفية الثانية وسمع من هذه الجماعة قول يردد له إنك مضطهد دينياً وإنك محارب في عقائدك وإنك محروم، وتطمس حقائق ووقائع وتاريخ ويمنع من قراءتها.
والمشكلة أن نظام الحكم وهو المتهم زوراً لا يعرف كيف يحفظ حقه التاريخي ويوثقه كما يجب... هناك مسؤولية تاريخية يتحملها النظام في توثيق هذه الزاوية قصر فيها وتركها فراغاً استغله من يريد شراً بهذا الوطن.