رغم أن المواطن بشكل عام يحتاج لعناية ورعاية فائقة من الدولة، إلا أن هناك فئة لا يجب أن تنسى أبداً من أي فكرة أو مشروع أو حتى مبادرة، ونتحدث هنا عن المتقاعدين.
هــذه الشريحة التي ننظر لها اليوم علــى أنها فئة تقع تحت تصنيف معين، هي في الواقع فئة كلنا بلا استثناء سندخلها يوماً، ونقول ذلك تنبيهاً لمن يقترحون مشاريع ويقدمون مقترحات سواء وزراء أو نواب وحتى الدولة نفسها، إذ الجميع سيكون يوماً ما «متقاعداً».
وعليه لو فكرنا فيها ونحن في مواقعنا ونحن أصحاب القرار بأن نهتم بشكل جدي بهذه الفئة فإننا سنؤسس لأعراف وثوابت تخدم جميع المتقاعدين ومنهم نحن حينما نصل لموقعهم.
الفكرة بأنك حينما تطرح مشروعاً أو تقدم رؤية من المهم جداً أن تضع نفسك في موقع الفئة المستهدفة، من المهم أن تضع قدميك داخل نفس الحذاء الذي يلبسونه، والأخير تعبير مجازي مغزاه بأن ننظر للأمور من منظور الآخرين لا منظورنا ونحن نجلس على الكراسي ونمتلك القرار.
هناك أشياء تحققت للمتقاعدين، وهذه مسألة لا تنكر، لكن حينما نكـــرر ذات الأسطوانة بالحديث عنهم فإننا لا نسترخــص الجهود الموجهة لهم بـــل نطالب بتعزيزها وزيادتها.
ما المشكلة إن طرحت الدولة مشروعاً كبيراً شاملاً معنياً بالمتقاعدين فقط، يستفيد منه كل موظف في القطاعين العام والخاص إن خرج على المعاش و«تقاعد»، سواء بإنشاء هيئة معنية بالمتقاعدين أو منظومة مهيكلة هدفها الاهتمام بهم وتحسين الخدمات المقدمة لهم.
هذه الفئة من الناس خدمت لسنوات طويلة هذا البلد، كل في قطاعه وموقعه، وبعد سنين وإن خرجوا على المعاش يظلون مواطنين لهم أيضاً حقوق وعليهم واجبات.
واليوم نرصد صرخات كثير منهم، سواء فيما يتعلق بوضعهم بعد نهاية الخدمة، أو تغير اشتراطات بعض الخدمات المقدمة لهم مثل الإسكان وحتى القروض البنكية.
الهدف مما نقول هو التذكير بضرورة الحرص على هذه الفئة ووجوب الإحساس بالمسؤوليـــة تجاههــا وعــدم نسيــــان عطائهـــم ومـــا بذلـوه.
بالتالي الواجـــب الاجتهاد لخدمتهم وتسهيل ظروف الحياة لهم حينما يدخلون مرحلة زمنية تترسخ في أذهانهم صورة مؤلمة بأن دورهم لربما يكون انتهى، وأن كلمة متقاعد تتحول فعلياً إلى مسمى «مت قاعد».
لن نطرح أفكاراً أو نقترح حلولاً بخلاف ما طرحناه أعلاه بضرورة وجود جهة تهتم بهم حتى لا يتم نسيانهم، ضرورة أن تكون هناك جهة ذات صدر رحب وآذان صاغية تستمع لهمومهم وشكاواهم وتحاول حلها وخلق الرضا لديهم، وما أجمل من شعور مساعدة الغير، والواقع أنها في هذا الحال تقديم العرفان والتقدير على الجهود بالاهتمام والبيان بأنهم ليسوا وحدهم بل الدولة هي أول عصا ارتكاز يتعكزون عليها.
لولا هؤلاء المتقاعدون، ولولا جهودهم وتعبهم وعملهم في زمن كان أصعب من زمننا الحالي في الظروف والإمكانات، لما وجدنا واقع الحال على ما هو عليه، نعيش اليوم نتاج تعبهم وتفانيهم بتباينات عطائهم، لكنه في النهاية عطاء وجهد لا يمكن نكرانه.
ثقافة التقدير والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتهدين هي ما يرتقي بالنفوس في مجتمعنا، هي ما يجعل الأجيال تتعاقب وتتوالى وكل همها دولتها وبنائها وتطويرها وتهيئتها لتكون مجتمعاً أفضل لجيل قادم يحمل المسؤولية ويطور ويواصل البناء.
كل التحية والشكر لكل متقاعد ساهم في بناء هذا البلد، قدم عطاء، وزخ عرقاً، البحرين بنيت بسواعدهم وستظل تبنى بسواعد من يأتون بعدهم، فرجاء لا تنسوهم، فهم الأحق بالتقدير والإعانة على نصب الدنيا، وكما يقول المثل الدارج «اللي ما له أول.. ما له تالي!».