يطربنا موسيقار العرب محمد عبده ويقول: «مرت سنة والعين يعشقها الصبر» ويردد معه فنان الأجيال عبدالمجيد عبدالله «مرت سنة والشوق باقي ما انمحى».
ومن مكاني هذا أقول: «مرت سنة وانا لساتني انتظر ومرت سنة صابر وعذري الصبر...»، وسوف تمر بعد سنة وكم سنة بعدها ستمر! وأنا أنتظر ولكن يا ليت انتظاري ينتمي إلى نفس باقة انتظار محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وكاظم الساهر والعندليب وكل المحبين. فرغم مرارة الانتظار بين العاشقين والحزن على قلب تعذب من اللهفة والحنين، إلا أن الزمان وما يمر على الإنسان من أحداث، كفيلان بأن ينعشا نعمة النسيان ويمحيا معالم الهجران.
«مرت سنة» بالنسبة لي ليست مجرد كلمات أغنية أرددها بين الفينة والأخرى بل هي حقيقة مطلقة بأنه مرّ 365 يوماً على موضوعي الذي كتبته العام الماضي بعنوان «نيزك تريزومي يكتسح كوكب الأرض» الموضوع الذي يشرح حالة بعض الناس لرهبتهم ومفاجأتهم بما يسمى بـ«تريزومي 21» أو باليوم العالمي لمتلازمة داون والذي يتزامن مع يوم الأم، وأنه ليس من الواجب تذكرة هذه الأم بما ابتلاها الله عز وجل في مثل هذا اليوم، أو بالمصطلح المنتشر بين الناس والذي لا يعرف نكهة الإنسانية أي «المنغولية»، علماً بأن تسمية «مانغوليان» نسبت لهذه الفئة الملائكية من الناس لأن سماتهم الخارجية تشبه بالشكل الشعب «المنغولي»، والذي يشبه كثيراً الشعب الصيني.
فالعلة لا تكمن بالتسمية فحسب، فمهما تبلورت وتحدثت و»تفرجنت»، لن تنفي رد فعل الأكثرية الساحقة من البشر بنكهة الحجر، عندما يلتقون بطفل أو شاب من متلازمة داون أو بمصطلحهم «منغوليا»، ويطلقون سهام نظراتهم الجارحة، هذه النظرات الخارجة عن إطار المودة، وإنما مكللة إما بالشفقة تارة وبالشماتة والعداء تارات كثيرة.
يتم الاستغراب والاندهاش من أي أمر متزن طبيعي، يقوم به هذا الطفل أو ذاك، وكأنه طفل من كوكب آخر، لاعتقادهم أن هذا الابن لا يمكنه أن يقدم أي عون أو مساعدة لمن حوله بل هو من يستجدي عطاءات الآخرين، وليس له حق بالحياة والنعيم بها، ولا يحق له اللعب والفرح والتعلم، وليس بوسعه أن يكون له أثر طيب على من حوله، فالناس إن لم تنطق لفظياً بتهميش هذا الابن، فهي ظاهرة ومتلألئة بعقولهم «النتنة» وتصرفاتهم «القبيحة».
فقط من باب العلم والإيضاح، إن هؤلاء الأبناء هم كالعجينة الصافية الخالية من أية شوائب، ويتشكلون بالطريقة التي يرسمها الأهل لهم.
فممكن أن يكونوا كالخرقة البالية ليس لهم قيمة، وكل من يصادفهم يبتعد عنهم، وكأنهم عدوى مرضية أو ثمرة منتجة يافعة، لأنه تم صقلها بعناية وحب واهتمام ووعي الأهل، وتكاتف جميع الجهود للنهضة بهؤلاء الأبناء. إلا أن ما نراه ونلاحظه والحقيقة المرة التي نعيشها أنه لا توجد الكفاءات البشرية الكافية التي يمكن أن تقدم كل ما نطمح لرؤيته على أبنائنا، وإن وجدت فهي ليست في متناول الجميع. فالبعض يعتبر مراكز التأهيل والمدارس ذات المستوى الراقي لأبناء ذوي الإعاقة، التجارة والربح الذي لا يبلى أبداً.
عذراً، فحياة أبنائنا لا تنتظر من أحد هدية بمناسبة معنوية، فهم هدية الله إلينا التي لا تقدر بثمن. ولكن للأسف لا يوجد أحد يطالب ويتابع ويحقق مع تلك المراكز التي لا يقدر على ثمنها أحد.
ولا يقبل بمن يتكلم بلسان وحال الناس في البرلمان أن يعتبر المطالبة بحقوق من لديهم إعاقة ما، الورقة المضمونة التي تجعل الجميع في وضعية الإصغاء والاحترام والعصا السحرية التي يحرك بها قلوب وعقول الناس ويجذبها نحوه عندما يقترب الميعاد.
فقد قال الماهاتما غاندي: «تقدم الأرض ما يكفي لتلبية حاجات كافة البشر، ولكن ليس بما يكفي لتلبية جشع كافة البشر».